أخذت احتجاجات “جيل زد” التي يشهدها المغرب منذ أكثر من أسبوع، صيتا عالميا واسعا عبر المنابر الإعلامية الدولية التي سلطت الضوء على هذا “الحراك الشبابي” الذي انطلق أساسا بمطالب ضرورة تحسين قطاعي الصحة والتعليم، موجها الاتهام إلى الحكومة بالفشل في تطويرهما.
وفي هذا السياق، اعتبرت صحيفة “لوموند” الفرنسية أن بداية شرارة هذه الاحتجاجات كانت في المستشفى الجهوي الحسن الثاني بمدينة أكادير، المدينة التي يرأس عزيز أخنوش مجلسها الجماعي إلى جانب منصبه كرئيس للحكومة المغربية.
وقالت الصحيفة إن هذه المؤسسة الصحية التي شُيّدت سنة 1967 دون أن تخضع لأي عملية تجديد كبرى، تحولت إلى رمز لانهيار المنظومة الصحية العمومية في المغرب، بعدما عجزت عن استيعاب المرضى القادمين من الأقاليم الجنوبية القروية، في وقت تنشغل فيه المدينة بتجميل مداخلها استعدادا لاحتضان مباريات كأس الأمم الإفريقية.
وأضافت الصحيفة الفرنسية في تقرير نشرته الأربعاء، أن وفاة ثماني نساء خلال شهر غشت الماضي، كنّ قد قصدن المستشفى لإجراء عمليات قيصرية، أشعلت موجة غضب غير مسبوقة، لتتوالي بعدهها الأحداث لتتحول أكادير إلى مركز انطلاق واحدة من أكبر موجات الاحتجاج التي يعرفها المغرب في السنوات الأخيرة.
كما أشارت “لوموند” إلى أن الوضع المتردي للمستشفى – من نقص حاد في الأطقم الطبية والأدوية الأساسية، وتدهور البنية التحتية إلى حد نوم القطط الضالة على الأسرة الطبية – يعكس صورة قاتمة عن حالة قطاع الصحة العمومية في البلاد، خصوصا في المناطق البعيدة عن المراكز الكبرى.
وأبرزت الصحيفة التفاوت الصارخ في توزيع الموارد الصحية بين الجهات، حيث يوجد طبيب واحد فقط لكل 2,422 نسمة في جهة سوس-ماسة، مقارنة بطبيب لكل 859 شخصا في جهة الدار البيضاء-سطات، معتبرة أن هذه الاختلالات تعمّق الإحساس بالتهميش داخل الفئات الشبابية.
وفي هذا السياق، أشارت الصحيفة الفرنسية إلى أن االمعارضة المحلية في أكادير صعّدت من لهجتها ضد رئيس الحكومة عزيز أخنوش، معتبرة أن الأزمة الصحية في المستشفى الجهوي الحسن الثاني تكشف فشلا في التدبير المحلي والوطني في آن واحد، حيث نقلت عن سناء فوزي، وهي معارضة محلية وطبيبة تعمل حاليا بالمستشفى الجهوي، قولها “نحن نفتقر إلى كل شيء في مستشفى الحسن الثاني: الأطر الطبية، الأسرة، التجهيزات الصالحة للاستعمال، لكن الأهم أننا نفتقر إلى الإرادة السياسية”.
وأضافت فوزي قائلة “لسنا ضد القطاع الخاص، لكننا نعارض الخصخصة المفرطة للقطاع الصحي في المغرب، والتي تحد من الولوج إلى العلاج بالنسبة لشرائح واسعة من المواطنين”، مشيرة إلى أن هذا الانقسام المتزايد بين القطاعين العمومي والخاص “يعمّق الفوارق في الولوج إلى الرعاية، ويترك الفئات الفقيرة أمام مؤسسات متهالكة”.
هذا وتطرقت العديد من التقارير الدولية، على غرار تقرير “لوموند” إلى أسباب الاحتجاجات التي اندلعت في المغرب، والتي يوجد القطاع الصحي من ضمن أبرز أسبابها، مما يجعل “فشل” حكومة أخنوش في تدبير هذا القطاع “فشلا” بصيت دولي، وفق تعبير الكثير من المتتبعين لتطورات الأوضاع في المغرب.
وما يزيد من “تشويه” صورة رئيس الحكومة، هو أن شرارة هذه الاحتجاجات انطلقت من المدينة التي يرأس مجلسها الجماعي، والتي كان يجدر أن تكون مثالا للتدبير الجيد والحكيم من طرف عزيز أخنوش الذي يواجه اليوم اختبارا صعبا في مساره السياسي أمام مطالب تدعوه للاستقالة.



