بقلم : حمزة أعناو
ما يعيشه الشارع المغربي من انفجار جراء توالي الضغوطات هو ظاهرة طبيعية بعد غياب حلول واقعية للمشاكل اليومية المتراكمة. فأعمال الشغب دليل على انحطاط مستوى الوعي المواطن، وهذا راجع إلى ضعف المنظومة التعليمية والتربوية.
فالمدرسة والأسرة في المغرب الجديد لا تلعبان دورهما بالشكل المطلوب، وهذا طبيعي لأن سياسة التعليم لا ترقى إلى مستوى تطلعات مغرب اليوم. وحتى آباء اليوم، وهم شباب الأمس، مغلوبون على أمرهم بسبب ضعف التكوين وتراكم الصدمات داخل مجتمع يَستوعِب ولا يُستوعَب. أما غلاء المعيشة فقد زاد الطين بلة، فظروف اليوم ومتطلبات الزمن الجديد المرتفعة لا تسمح بالادخار، بل لا تسمح حتى بتوفير العيش الكريم والتعليم والتطبيب الجيدين.
أما الحلول المتوفرة فهي بيد ضعيفة أو شبه معدومة، لأن من قلّده الشعب تدبير أموره انغمس في جمع الأموال، ودخل في تضارب المصالح، من اغتناء عبر الصفقات العمومية، إلى المضاربات في المناسبات الدينية، والتهرب الضريبي، واستغلال النفوذ وغيرها من الأساليب والفضائح التي انتشرت في الآونة الأخيرة. فالطمع دفع أجنحة الدولة إلى التصارع علنًا باستعمال الشركات الإعلامية والأقلام والحناجر المأجورة، لتوجيه الرأي العام من جهة. وفي السياق ذاته برز ما يُصطلح عليهم «ثوار التواصل الاجتماعي» الذين ينشرون الفضائح ويؤثرون في الرأي العام من جهة أخرى.
كل هذا الغليان انفجر في أسبوع واحد: خرجت المظاهرات، خُرّبت المرافق العمومية، واستُعمل الرصاص الحي في انتظار «رصاصة الرحمة»؛ أي إقالة الحكومة ومحاسبة أعضائها. فالإقرار بالمسؤولية والاستقالة ليسا من شيم الساسة المغاربة، إذ الكرسي أولًا والوطن له الله.
في هذا الصدد يطالب الشعب بتدخل الملك، غير أن المؤسسة الملكية ـ في اعتقادي ـ تؤمن بالمؤسسات ولا تريد أن تتدخل لإرضاخ حزب أو مجموعة بشرية. وقد كانت فرصة سحب الثقة من الحكومة متاحة قبل أن يفسدها أحد قياديي حزب معارض، وهو أمر يستوجب محاسبته اليوم. أما تدخل الملك فهو يبقى رهينًا بتقارير تصدرها المؤسسات الأمنية، ويُبنى على مدى موضوعية هذه التقارير، بما أن قادة المؤسسات الأمنية منخرطون بدورهم في صراع الأجنحة عبر تجييش المؤسسات الإعلامية والمؤثرين الذين يقودون حربًا بالوكالة. وهذا أمر معروف لدى الأجهزة ولدى المؤسسة الملكية، ويبقى الحل هو الاعتماد على تقارير المؤسسة العسكرية.
من هنا يتبين أن المغاربة لا يملكون خيارات متعددة، فالفساد ضرب موضوعية مؤسسات الدولة التي يُفترض أن تكون مستقلة. والخلل يكمن في الحكومة والبرلمان والمنتخبين، كما يجر إلى مساءلة الأحزاب السياسية التي أصبحت دكاكين لتوزيع الريع وتنظيم الولائم بدل تنظيم الأنشطة الجادة. وهذا ما قد يؤدي ـ لا قدر الله ـ إلى توسيع دائرة الأزمة في سنة من المفترض أن تكون حاسمة في عدد من الملفات، وعلى رأسها ملف القضية الوطنية
											
										



