عبّر النقيب عبد الرحيم الجامعي، الرئيس السابق لجمعية هيئات المحامين بالمغرب، عن رفضه القاطع لمشروع القانون المنظم لمهنة المحاماة، معتبراً أنه يشكل “مساسًا خطيرًا باستقلال المهنة” و”محاولة لإخضاعها لوصاية السلطة التنفيذية”، بدل تنظيمها وتطويرها.
وأكد الجامعي، في موقف مكتوب يتناول مضامين مشروع القانون رقم 66.23 المتعلق بتنظيم مهنة المحاماة، أن هذا النص “لا يروم إصلاح المهنة أو تجديدها، بل يستهدف تحجيمها وإضعاف مؤسساتها، والالتفاف على مكتسباتها التاريخية”، مضيفا: “أرفض وضع مهنة المحاماة تحت الوصايات، وأرفض ضرب مؤسساتها وإضعاف قوتها، لأن ذلك يهدد العدالة قبل أن يهدد المحامين”.
وشدد الجامعي على أن المحاماة ظلت، تاريخيًا، مهنة مستقلة عن السلطة، تلعب دورا محوريا في الدفاع عن الحقوق والحريات، مبرزًا أن المشروع المعروض “يكرس هيمنة وزارة العدل على قرارات مهنية صرفة”، ويمنح الوزير صلاحيات واسعة تمس جوهر استقلال الهيئات.
وقال في هذا السياق: “المحاماة هي المهنة الوحيدة التي بقيت مصرة على الاستقلال عن السلطة، وكلما انحرفت الممارسات الرسمية عن سيادة القانون، كانت المحاماة الصوت المزعج الذي يذكر بالحق”.
واعتبر أن منح وزير العدل صلاحيات تتعلق بالتسجيل في جدول المحامين، وفرض مكاتب محاماة أجنبية، والتدخل في تنظيم المهنة، يمثل “خرقًا لمبدأ الفصل بين السلطة التنفيذية والمؤسسات المهنية المستقلة”.
ويرى الجامعي أن خطورة المشروع لا تقف عند حدود التنظيم المهني، بل تمتد إلى المساس بضمانات المحاكمة العادلة، مؤكدًا أن “إضعاف المحاماة هو إضعاف للدفاع، وإضعاف للدفاع هو تهديد مباشر للعدالة”.
وأوضح: “بعد قراءة موضوعية للمشروع، أعلنت أن الخطر لا يهدد المحامين فقط، بل يطال القضاء والحق في محاكمة عادلة، ويضرب أحد أعمدة الأمن القانوني للمجتمع”.
كما انتقد ما اعتبره “نزعة انتقامية سياسية” في خلفيات المشروع، قائلاً إن النص “يعكس رغبة في التحكم والاحتواء، وليس في التنظيم والتطوير”.
وانتقد الجامعي ما وصفه بالمقاربة الحكومية في التعاطي مع المهنة، معتبرًا أنها “مقاربة قمعية” تستهدف تحييد المحاماة عن أدوارها التاريخية في الدفاع عن الحريات ومساندة القضايا المجتمعية.
وقال في هذا الصدد: “المشروع الجديد يتعامل مع المحاماة كعدو يجب تحجيمه، لا كشريك في بناء دولة القانون”، مضيفًا أن الحكومة “تحتاج إلى المحاماة لتلقيح سياستها بالأخلاق، لا لإخضاعها للوصاية”.
ودعا الجامعي هيئات المحامين، والنقباء السابقين، ومؤسسات المهنة، إلى تجاوز الخلافات الداخلية وتوحيد الموقف، محذرًا من مخاطر التشرذم في هذه المرحلة.
وأكد: “لسنا في سباق لانتزاع الألقاب، ولا معنيين بحماية الكراسي، بل معنيون بالدفاع عن مهنة سنتركها للأجيال القادمة”، مشددًا على ضرورة اعتماد “وسائل ترافع قانونية ومهنية وجدية” للتصدي للمشروع، مضيفا أن الدفاع عن استقلال المحاماة ليس دفاعًا عن امتيازات فئوية، بل عن دور دستوري ومجتمعي، قائلاً: “المحاماة ليست مهنة للبيع أو الخضوع، بل رسالة، واستقلالها شرط لبناء دولة الحق والقانون”.



