كشفت تقارير دولية أن شركة “هيونداي” الكورية (HD Hyundai Heavy Industries) التي تُعد أكبر شركة لبناء السفن في كوريا الجنوبية، أبدت اهتماما بالحصول على حقوق تشغيل طويلة الأمد لحوض بناء السفن الجديد في ميناء الدار البيضاء، الذي يُرتقب أن يكون أكبر ورشة من نوعها في إفريقيا.
وحسب ذات التقارير، فإن هذه الخطوة تأتي ضمن توجه الشركة الكورية نحو توسيع حضورها العالمي، في ظل الضغط الذي تعرفه أحواضها المحلية، حيث تواجه اختناقات في الإنتاج بسبب سجل طلبيات غير مسبوق بلغ 451 سفينة، وهو ما يعادل نحو ثلاث سنوات من العمل المتواصل.
وأضافت المصادر نفسها، أنه يُرتقب أن يمتد حوض بناء السفن الجديد بالدار البيضاء على مساحة تصل إلى 210 آلاف متر مربع، وتعرضه الوكالة الوطنية للموانئ المغربية (ANP) لتفويته لفائدة مشغل دولي لمدة 30 سنة، تشمل تجهيز وتسيير المرفق الذي سيتضمن رافعات وأرصفة ومرافق تقنية متطورة.
وترى شركة “هيونداي” حسب ذات المصادر، في المغرب قاعدة إنتاجية واعدة على الواجهة الأطلسية، يمكن استغلالها لاستقطاب الطلب الأوروبي والعابر للأطلسي، إلى جانب الظفر بالطلبيات المحلية، خاصة أن المغرب لا يملك حاليا سوى 16 سفينة تجارية، ويسعى إلى رفع هذا العدد إلى 100 بحلول عام 2040 في إطار خطته لدعم النمو التجاري واللوجستي.
وتُعد هذه المبادرة، وفق التقارير الإعلامية، جزءا من استراتيجية الشركة الكورية لتكرار نجاحاتها في بلدان صاعدة مثل فيتنام والفلبين، من خلال شراكات طويلة الأمد مع دول تطمح إلى تطوير قطاعها البحري، حيث عززت في السنوات الأخيرة تعاونها كذلك مع الهند والولايات المتحدة، عبر اتفاقيات حديثة.
وكانت صحيفة “الإيكونوميستا” الإسبانية قد سلطت الضوء في تقرير نشرته أبريل الماضي على أن المشروع المغربي المرتقب في ميناء الدار البيضاء قد يُعيد رسم خريطة الصناعة البحرية في المنطقة، معتبرة إياه “تحديا مباشرا لإسبانيا”، لا سيما لشركة “نافانتيا” الحكومية، التي لم تُدرج ضمن الخيارات المطروحة لتشغيل المشروع.
وحسب الصحيفة الاقتصادية الإسبانية، فإن المغرب استثمر 300 مليون دولار في هذا المركب الصناعي البحري، الذي يتجاوز حجمه ثلاثين ملعبا لكرة القدم، ويهدف إلى منافسة أحواض بناء السفن بجنوب أوروبا، من خلال تقديم خدمات متكاملة تشمل الصيانة والإصلاح والبناء للسفن التجارية والعسكرية.
وأضافت “الإيكونوميستا” أن المغرب يسعى إلى تكرار تجربة نجاحه في قطاع صناعة السيارات، حيث بات أول مصدر للسيارات في إفريقيا، عبر استقطاب شركات كبرى مثل رونو وستيلانتيس، مشيرة إلى أن العوامل نفسها مثل انخفاض تكلفة اليد العاملة، واستقرار المناخ السياسي، والبنية التحتية الحديثة، قد تُشكل جاذبية موازية لقطاع الصناعة البحرية.
وسيتضمن المشروع، حسب المصدر ذاته، حوضا جافا بطول 244 مترا وعرض 40 مترا، بالإضافة إلى رافعة عمودية بسعة رفع تصل إلى 9 آلاف طن، مما سيُمكّن المغرب من صيانة أسطوله محليا، وتقليص الاعتماد على الخارج في هذا المجال الحيوي.
ومن أبرز المعطيات الاستراتيجية التي ذكرتها الصحيفة الإسبانية، أن المشروع اكتسب أهمية مضاعفة بعد أن تحولت عمليات صيانة الأسطول الروسي من جزر الكناري الإسبانية إلى الموانئ المغربية سنة 2022، بفعل العقوبات المفروضة على روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا، وهو ما عزز من قدرة المغرب التنافسية في السوق الدولية.
كما سجلت الصحيفة أن المغرب أبدى في السنوات الأخيرة اهتماما خاصا بالتكنولوجيا البحرية الكورية، وهو ما تجسد في زيارة وزير التجهيز والماء نزار بركة لمصنع شركة HD Hyundai في مدينة أولسان، في إشارة واضحة إلى رغبة رسمية في تعزيز الشراكة مع كوريا الجنوبية.
وتشير المعطيات إلى أن المغرب، الذي يملك أكثر من 3500 كيلومتر من السواحل و43 ميناء منها 14 تجاريا، يعمل على تكامل بين قطاعات الطيران والسيارات والصناعة البحرية، لتعزيز اقتصاده الوطني وتثبيت موقعه كوجهة صناعية عالمية مدعومة باتفاقيات تبادل حر مع كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.



