تقترب الجزائر من نهاية عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي، بعد حوالي عامين من توليها هذا المقعد الذي كانت تراهن عليه لرفع قضية الصحراء إلى واجهة النقاش الأممي، غير أن النتائج جاءت معاكسة لتطلعاتها وتطلعات جبهة البوليساريو الانفصالية، التي كانت تأمل في أن يُسهم وجود الجزائر داخل المجلس في كسب أرضية دبلوماسية جديدة لصالح أطروحة الانفصال.
وخلال هذه الولاية التي تنتهي بعد شهرين من الآن، حاولت الجزائر استغلال موقعها في مجلس الأمن لإبراز قضية الصحراء في مختلف الاجتماعات واللجان التابعة للأمم المتحدة، إلا أن تلك الجهود لم تحقق أية نتائج ملموسة على مستوى القرارات الأممية أو موازين المواقف الدولية.
وبينما كانت الجزائر تراهن على أن عضويتها ستتيح لها التأثير في المداولات المرتبطة بالنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، استطاع المغرب، خلال الفترة نفسها، أن يراكم مكاسب دبلوماسية غير مسبوقة، عبر توسيع دائرة الدول الداعمة لسيادته على أقاليمه الجنوبية.
وفي هذا السياق، يُشار إلى أنه في يوليوز 2024، أي بعد ستة أشهر فقط من انضمام الجزائر إلى مجلس الأمن كعضو غير دائم، أعلنت فرنسا اعترافها بسيادة المغرب على الصحراء بشكل صريح، معتبرة أن مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب سنة 2007 هي “الأساس الوحيد لحل عادل ودائم ومتوافق مع قرارات الأمم المتحدة”.
وشكل هذا الموقف الفرنسي تحولا استراتيجيا في خريطة المواقف الأوروبية من قضية الصحراء، إذ جاء بعد سلسلة لقاءات رفيعة المستوى بين الرباط وباريس، وعكس تقاربا واضحا في الرؤى حول مستقبل المنطقة وأولويات التنمية والاستقرار فيها.
وبعد سنة تقريبا، أي في يونيو الماضي، لحقت المملكة المتحدة بالركب، عندما أعلن وزير خارجيتها ديفيد لامي من الرباط دعم بلاده لمقترح الحكم الذاتي المغربي باعتباره “الأكثر واقعية ومصداقية” لحل النزاع، وهو أول تصريح من نوعه من لندن بهذا المستوى من الوضوح والدعم السياسي.
وعزز المغرب في هذه الفترة التي تولت فيها الجزائر عضوية مجلس الأمن، موقعه الدبلوماسي داخل المنظومة الأممية، في وقت لم تحقق فيه الجزائر أي اختراق دبلوماسي يُذكر لصالح جبهة البوليساريو، سواء في مجلس الأمن أو في المنتديات الدولية الأخرى، رغم محاولاتها المكثفة لإعادة صياغة النقاش حول الملف.
كما لم تتراجع أي دولة عن دعمها لمغربية الصحراء خلال فترة عضوية الجزائر في المجلس، بل على العكس، جددت عدة دول من أوروبا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية مواقفها المؤيدة لمقترح الحكم الذاتي المغربي، معتبرة إياه حلا واقعيا يحظى بدعم متزايد في المجتمع الدولي.
وفي هذا السياق، قال المحلل السياسي المغربي خالد الشيات، إن وجود الجزائر كعضو غير دائم في مجلس الأمن الدولي، لم تحقق من وراءه أي نتائج، بل العكس هو الذي حدث، مشيرا إلى أن المنصب الذي شغلته ليس مؤثرا، لكونها “لا تتمتع بحق النقض”، مشيرا إلى أن المنصب هو “مسؤولية دورية كل سنتين يتم تغييرها تبعا لمقتضيات مجلس الأمن”.
وأضاف الشيات في تصريح لـ”الصحيفة”، بأنه من خلال “هذه العضوية المؤقتة يمكن للجزائر أو أي دولة أن تعمل على إبداء أو إبراز مجموعة من المواضيع التي تراها متناسبة مع مصالحها الذاتية لكن من المفترض أن تكون ممثلة لمنظومة العدالة والسلم والأمن، وأن تكون ممثلة للمنظومة الإقليمية، بما معناه أن هذا التعيين هو بناء على معايير لا تمثل الجزائر نفسها بل تمثل هذه القيم العالمية، وتمثل على مستوى القارة الافريقية”.
وأعرب المحلل السياسي عن أسفه بأن كل “همّ الجزائر سواء كانت عضوة في مجلس الأمن أو لم تكن، هو مسألة الصحراء المغربية”، معتبرا هذا الاهتمام الجزائري الكبير بهذا الملف “أخرجها عن نطاق الموضوعية التي يجب أن تتمتع بها الدول داخل هذا المجلس وأفقدها الكثير من التعاطف”.
وأشار الشيات في هذا السياق إلى أنه “إذا قمنا بمراجعة النتائج على مستوىة الواقع الدولي، نرى أن الجزائر خسرت مجموعة من الدول لصالح القضية المغربية، منها دول مؤثرة وأصبحت لها وزن كبير داخل مجلس الأمم المتحدة، وبالتالي لا اعتقد أنها من غير ما قامت به في اللجنة الرابعة، والتي كانت تقوم به دائما، (لا أعتقد أنها) كانت ناجحة في إبراز ما تسميه القضية الصحراوية”.
وأنهى المحلل السياسي خالد الشيات تصريحه، قائلا بأن النتائج تشير إلى أن “هناك المزيد من الدول التي اعترفت بالصحراء المغربية أو بجدية مقترح الحكم الذاتي المغربي لحل نزاع الصحرء كحل نهائي. هذه هي النتيجة الأخيرة التي راكمتها الجزائر، غير ذلك لم يكن هناك أي شيء يذكر في نتائج عضويتها في مجلس الأمن”.



