من الدبلوماسية الرمادية إلى الموقف الحاسم.. كيف غيّر ترامب نهج الرؤساء الأمريكيين السابقين ورسّخ الاعتراف بمغربية الصحراء كخيار استراتيجي دائم

adminمنذ 4 ساعاتآخر تحديث :
من الدبلوماسية الرمادية إلى الموقف الحاسم.. كيف غيّر ترامب نهج الرؤساء الأمريكيين السابقين ورسّخ الاعتراف بمغربية الصحراء كخيار استراتيجي دائم


في مشهد دبلوماسي وُصف بأنه تتويج لخمس سنوات من التحول الاستراتيجي الأمريكي في التعاطي مع قضية الصحراء، كرّس مجلس الأمن الدولي مساء أمس الجمعة 31 أكتوبر 2025، القرار رقم 2797، الذي اعتمد مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كحلّ وحيد واقعي وذي مصداقية للنزاع، بأغلبية 11 صوتا وامتناع ثلاثة أعضاء، مع غياب الجزائر عن التصويت في سلوك قرأه مراقبون كإشارة سياسية تعكس عزلة أطروحتها وانحسار قدرتها على التأثير في مسار الملف.

القرار الأممي التاريخي لم يكن ليأخذ هذه الصيغة لولا الحضور الواضح والضغط الدبلوماسي الذي مارسته الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس دونالد ترامب، الذي برز منذ ولايته الأولى كأكثر الرؤساء الأمريكيين حسما في هذا النزاع المفتعل، وأول من نقل الموقف الأمريكي من مربع “الحياد الحذر” إلى مستوى الاعتراف السيادي للمغرب على الصحراء.

فمنذ 10 دجنبر 2020، تاريخ توقيعه على الإعلان الرئاسي الذي اعترف رسميًا بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، ربط ترامب قراره برؤية أوسع عنوانها إعادة رسم التحالفات في المنطقة، من خلال الاتفاق الثلاثي المغربي الأمريكي الإسرائيلي (اتفاقية أبراهام)، الذي أعاد بموجبه المغرب علاقاته مع تل أبيب بعد قطيعة دامت عقدين من الزمن، وهي خطوةٌ سرعان ما تحولت إلى نقطة تحول محورية أعادت تموقع واشنطن في شمال إفريقيا، وكرّست المغرب كفاعل إقليمي أساسي في معادلة الأمن والاستقرار.

وإذا كانت الإدارات الأمريكية السابقة، من ريغان إلى بايدن، قد تبنّت مواقف متحفظة تكتفي بدعم جهود الأمم المتحدة دون الحسم في جوهر النزاع، فإن ترامب اختار أن يكسر هذا التقليد المتوارث، مستندا إلى مقاربة واقعية ترى في مقترح الحكم الذاتي الذي قدّمه المغرب سنة 2007، الحلّ العملي الوحيد القابل للتطبيق.

وبالنظر إلى المسار التاريخي للمواقف الأمريكية من قضية الصحراء، يتضح عمق التحول الذي أحدثه دونالد ترامب في هذا الملف المعقد،

ففي عهد الرئيس رونالد ريغان، اقتصر الدعم الأمريكي على البعد العسكري والأمني، إذ رأت واشنطن في المغرب حليفا استراتيجيا في مواجهة النفوذ السوفياتي خلال الحرب الباردة، لكنها تجنبت الخوض في جوهر النزاع أو اتخاذ موقف واضح بشأن السيادة على الصحراء.

أما إدارة بيل كلينتون، فقد تبنّت مقاربة دبلوماسية أكثر حذرا، ركزت على تشجيع المسار التفاوضي تحت مظلة الأمم المتحدة، مع إبداء تفهّم مبدئي لمقترح الحكم الذاتي دون أن تُترجم ذلك في موقف رسمي أو قرار سيادي، ثم جاءت مرحلة جورج بوش الابن لتمنح زخما أكبر للرؤية المغربية، حيث اعتُبر مقترح الحكم الذاتي سنة 2007 “جادا وواقعيا وذا مصداقية”، لكن ذلك ظل في حدود الدعم السياسي دون اعتراف قانوني بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.

ثم عادت إدارة باراك أوباما، إلى نهج أكثر تحفظا، مكتفية بدعم جهود الأمم المتحدة ومساعي المبعوثين الأمميين لإيجاد حل دائم ومقبول من الطرفين، دون أي مبادرة نوعية أو إعلان رسمي يغيّر موازين الملف، ومن هنا، يظهر أن ترامب كان الرئيس الأمريكي الوحيد الذي انتقل من مربع المساندة السياسية إلى دائرة الحسم الدبلوماسي، بإعلانه التاريخي في دجنبر من سنة 2020 الاعتراف الكامل بسيادة المغرب على الصحراء، وهو الموقف الذي أعاد رسم معالم السياسة الأمريكية تجاه هذا النزاع الإقليمي.

فمنذ العاشر من دجنبر سنة 2020، حين أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إعلانا رئاسيا يعترف رسميًا بسيادة المغرب على الصحراء، دخل الموقف الأمريكي مرحلة جديدة وغير مسبوقة من الوضوح والحسم، حيث شكّل هذا القرار قطيعة مع عقود من المواقف الدبلوماسية المتحفظة، وأعاد رسم خريطة التعاطي الأمريكي مع النزاع في شمال إفريقيا.

 الاعتراف الأمريكي لم يكن مجرد خطوة رمزية، بل وثيقة رسمية محفوظة في أرشيف البيت الأبيض، أكدت دعم واشنطن لمقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب كإطار واقعي ودائم للحل، حيث تواصل المسار بتنفيذ خطوات عملية على الأرض، أبرزها قرار فتح قنصلية أمريكية بمدينة الداخلة، وإنشاء حضور دبلوماسي افتراضي في الأقاليم الجنوبية للمملكة سنة 2021، تأكيدًا للالتزام العملي بالاعتراف. 

وخلال السنوات اللاحقة، بين 2021 و2024، ظل الاعتراف الأمريكي قاعدة ثابتة في السياسة الخارجية لواشنطن تجاه النزاع، مع تأكيده في مراسلات رئاسية وتصريحات دبلوماسية عدة، رغم تغيّر الإدارات، أما سنة 2025، فقد شهدت تعبئة أمريكية مكثفة داخل أروقة الأمم المتحدة لصياغة قرار أممي جديد يُكرّس مبادرة الحكم الذاتي كمرجعية وحيدة للحل السياسي، وهو ما تُوّج أمس الجمعة 31 أكتوبر 2025 باعتماد مجلس الأمن القرار رقم 2797 بأغلبية 11 صوتًا، وامتناع ثلاث دول، وعدم مشاركة الجزائر في التصويت.

وقد تجلى البعد السياسي لهذه اللحظة أيضا في ترحيب السفير الدائم لواشنطن لدى الأمم المتحدة، مايك والتز، بالقرار واصفا إياه بالتصويت التاريخي الذي يعكس التزام الرئيس ترامب بتحقيق السلام الدائم في المنطقة ودعم جهود الأمم المتحدة ومبعوثها الشخصي، مشيدا بالدور المتوازن والمثمر لبعثة المينورسو، ومشددا على أن الوقت قد حان للانتقال من إدارة الأزمة إلى بناء الحل.

كلمات والتز، الذي كان إلى يجلس إلى جانبه السفير الأمريكي المعين بالرباط ديوك بوشان خلال متابعة جلسة التصويت، حملت رمزية خاصة، خصوصًا وأنها جاءت بعد سنوات من محاولات التشكيك في جدية الموقف الأمريكي، حيث أن الحضور الشخصي لبوشان في قاعة المجلس أثناء التصويت لم يكن تفصيلا بروتوكوليا، بل تأكيدا رمزيًا على أن واشنطن تعتبر نفسها معنية مباشرة بمستقبل الأقاليم الجنوبية للمملكة.

وبهذا الموقف، تكون إدارة ترامب قد أعادت رسم خريطة المواقف داخل مجلس الأمن بشكل غير مسبوق، إذ إن واشنطن لم تكتفِ بمساندة المغرب دبلوماسيًا، بل تحولت إلى قوة دفع رئيسية داخل الأروقة الأممية لصالح مبادرة الحكم الذاتي، ويكفي الإشارة إلى أن صياغة القرار الجديد خلت من أي إشارة إلى “الأطراف المتنازعة” بصيغة المساواة، واعتماد صيغة تراعي مركزية المقترح المغربي وتُسقط عمليًا سردية الانفصال.

ومع تبنّي القرار الأممي الأخير، تكون إدارة ترامب قد نجحت في تثبيت إرث دبلوماسي سيصعب على أي إدارة لاحقة التراجع عنه، فالقرار الأممي لم يأتِ بمعزل عن دعم البيت الأبيض، بل جاء ترجمة عملية للموقف الأمريكي، وهو ما أكدته مداخلات عدد من السفراء الدائمين – باستثناء الصين وروسيا اللتين تحفظتا-  كون الصيغة الحالية ما كانت لتمر لولا إصرار الوفد الأمريكي على تضمين الإشارة إلى واقعية ومصداقية المقترح المغربي، الأمر الذي يفسر الصدمة التي بدت على الوفد الجزائري، الذي فضّل الانسحاب من التصويت بدلا من تسجيل اعتراض رمزي غير مؤثر.



Source link

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة