يدخل ملف الصحراء مرحلة فارقة مع بروز توجه دولي متنامٍ يقوده تحالف واشنطن وباريس مدعوما بلندن، يهدف إلى تجاوز منطق الجمود الذي وسم هذا النزاع لأكثر من نصف قرن، والدفع نحو صيغة جديدة تحت مظلة الأمم المتحدة تعترف بالحكم الذاتي المغربي باعتباره الحل الواقعي الوحيد الممكن.
التحولات المتسارعة في المواقف الغربية تجاه قضية الصحراء، التي تعززها إشارات متواترة من إدارة الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب، تؤكد أن لحظة الحسم باتت قريبة، وأن خيار الاستفتاء، الذي ظل منذ عقود في صلب خطاب الجزائر وجبهة البوليساريو، يسير بخطى ثابتة نحو نهايته.
فمنذ إنشاء بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء (مينورسو) سنة 1991، ظل تنظيم الاستفتاء حبرا على ورق، بفعل الخلافات العميقة حول تحديد الهيئة الناخبة وغياب أي توافق سياسي حقيقي، وأصبح واضحا بالنسبة للأجهزة الأممية، وخصوصا مجلس الأمن، أن هذا خيار الانفصال “غير واقعي”، وهي العبارة التي استعملها المبعوث الشخصي الأسبق للأمين العام، بيتر فان فالسوم سنة 2008.
وبدأ الحديث عن طرح مشروع جديد يحمل اسم “مانساسو” (Mission d’Assistance pour les Négociations sur le Statut d’Autonomie du Sahara Occidental) كبديل عملي ينسف خيار الاستفتاء من أساسه، إذ يقوم على تحويل التفويض الأممي من مجرد مراقبة وقف إطلاق النار إلى دعم مسار التفاوض وتيسير تنزيل الحكم الذاتي بالصحراء.
وتؤكد التحركات الأميركية الأخيرة، أن واشنطن لم تعد تكتفي بالدعم السياسي التقليدي لقضية الصحراء، بل أصبحت شريكا فعالا في بلورة مسار جديد لإنهاء النزاع، خاصة بعد زيارة المبعوث الشخصي للرئيس الأميركي مسعد بولوس إلى باريس ثم الجزائر، والتي حملت رسائل مباشرة واضحة وهي أن خيار الاستفتاء في شكله التقليدي الجامد لم يعد مطروحا.
كما عكست زيارة وفدٍ أميركي إلى مدينة العيون ولقاءه برئيس بعثة المينورسو الانسجام بين الرؤية المغربية والتحركات الدولية، وفتحت النقاش حول إعادة هيكلة البعثة الأممية الى الصحراء (مينورسو) وتقليص مكونها المدني والسياسي مع الإبقاء على قوات حفظ السلام، مما قد يمهد الطريق لانطلاق مشروع “مانساسو”، الذي سيجعل من خطة الحكم الذاتي المرجعية الوحيدة لإنهاء هذا النزاع.
في المقابل، لا تزال الجزائر تراوح مكانها، متمسكة بخطاب تقليدي يطالب باستفتاء بات في نظر المجتمع الدولي غير قابل للتنفيذ، أما جبهة البوليساريو، التي فقدت الكثير من زخمها الدبلوماسي، فتركز على محاولة إقناع منظمات غير حكومية بضرورة توسيع ولاية الأمم المتحدة لتشمل مراقبة حقوق الإنسان، وهو طرح تعتبره الرباط مناورة يائسة لكسب الوقت فقط.
وتبقى مسألة الحسم في مشروع “مانساسو” مرتبطة بجلوس مجلس الأمن على الطاولة في نيويورك خلال اجتماع الخريف المقبل، فإذا نال المقترح تأييد تسع دول على الأقل من دون استخدام أي حق نقض دائم، فسيتم اعتماد بعثة “مانساسو” رسميا، لتُطوى بذلك صفحة الاستفتاء نهائيا، أما في حال اكتفى المجلس بتجديد ولاية بعثة “المينورسو”، فقد يستمر الجمود الذي يطبع النزاع منذ عقود.



