أثار العدد الأخير من المجلة الفرنسية “لوبوان” عاصفة من الجدل في الجزائر، بعد أن تصدّر غلافه ملف بعنوان “شعب القبائل الواقف” قدّم منطقة القبائل ككيان قائم بذاته، يتمتع بخصوصيات سياسية وثقافية تميّزه عن بقية المناطق الأخرى بالجزائر.
الملف الذي ضم تقريرا مطولا ركّز على إبراز أسماء لامعة من أصول قبائلية حققت شهرة عالمية، مثل لاعب كرة القدم زين الدين زيدان والمطرب الراحل إيدير، لكن اللافت أن المجلة قدّمتهم بصفتهم “قبائليين” لا “جزائريين”، في خطوة فسّرها جزائريون بأنها محاولة متعمدة للفصل بين الهويتين القبائلية والجزائرية.
وتطرقت المجلة الأسبوعية أيضا إلى قضية الصحفي الفرنسي كريستوف غليز، المحكوم بالسجن في الجزائر بتهمة التواصل مع انفصاليين قبائليين، مقدمة إياه على أنه ضحية “قمع سياسي”، وهو ما أثار حفيظة السلطات الجزائرية وقطاعات واسعة من الرأي العام بالجارة الشرقية .
وتضمن ملف المجلة الفرنسية، تقريرا مطولا للكاتب الجزائري المقيم في فرنسا كمال داود، الذي اعتبر أن القضية القبائلية ظلّت في الجزائر موضوعا يطرح بشكل نمطي كصراع بين قومية عربية تدافع عن الوحدة ومعارضة انفصالية خطيرة، مشيرا إلى أن هذا الملف طُمس خلال حرب التحرير الجزائرية ثم استُخدم لاحقا لإقصاء الأصوات المعارضة، ما جعل الانتماء القبائلي في نظر البعض مرادفا للشبهة أو العمالة للخارج.
ويأتي ملف “لوبوان” الفرنسية حول “شعب القبائل”، في توقيت بالغ الحساسية على صعيد العلاقات الجزائرية الفرنسية، إذ يتزامن مع قرار الرئيس إيمانويل ماكرون، مؤخرا، إلغاء الامتيازات الدبلوماسية لعدد من القناصل والملحقين الجزائريين في باريس، وهو ما اعتبرته الجزائر تصعيدا غير مبرر في سياق أزمة ثقة عميقة بين البلدين، خاصة أن الجزائر تنظر بعين الريبة لأي تناول فرنسي لقضاياها الداخلية في ظل إرث استعماري ثقيل ما زال يلقي بظلاله على الذاكرة الجماعية.
وكان فرحات مهني، رئيس الحركة من أجل استقلال منطقة القبائل في الجزائر، المعروفة اختصارا بـ”الماك”، قد أعلن قبل أكثر من سنة، بشكل رسمي عن قيام “دولة القبائل” خلال تجمع كبير نُظم بالقرب من مقر الأمم المتحدة في نيويورك، بالولايات المتحدة الأمريكية.
وقد أعاد هذا الإعلان إلى الواجهة، وبقوة، قضية تقرير مصير منطقة القبائل ذات الأغلبية الأمازيغية والكثافة السكانية المرتفعة، والتي لا يعتبر عدد كبير من أبنائها أنفسهم جزءا من الدولة الجزائرية، مستندين في ذلك إلى تاريخ طويل من الحكم الذاتي، حيث أسسوا إمارات مستقلة منذ القرن الرابع عشر، أي قبل قرون من نشوء الدولة الجزائرية الحديثة.
وتُعد هذه القضية شديدة الحساسية بالنسبة للنظام الجزائري، إذ يتعلق الأمر بحركة انفصالية تسعى بقوة لكسر الحصار السياسي والأمني والإعلامي المفروض عليها، حيث نجحت الحركة في كسب اهتمام وسائل الإعلام الدولية، خاصة في ظل الحراك الاحتجاجي النشط في المنطقة، ومقاطعة سكانها للانتخابات.



