أثارت تصريحات أدلى بها النائب البرلماني بيرام الداه اعبيد، خلال مظاهرة نظمتها حركته “إيرا” أمام مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل بشأن قضية المعتقلين في موريتانيا، جدلاً واسعاً وغضباً عارماً داخل الأوساط الرسمية وعلى شبكات التواصل الاجتماعي.
فقد اتهم بيرام النظام الحاكم بممارسة “القتل على أساس عرقي ضد أبناء الأقليات الزنجية”، واعتبر أن موريتانيا تعيش وضعاً يشبه “نظام الأبارتهايد”.
هذه التصريحات سرعان ما قوبلت بردود قوية في نواكشوط، أبرزها من حزب الإنصاف الحاكم، الذي أصدر بياناً مطولاً قال فيه إن بيرام “خرج هذه المرة من بروكسل ليصوّر بلده وكأنه سجن مظلم من عصور غابرة”، مؤكداً أن البلاد تعيش “أزهى عصورها الديمقراطية”.
الحزب الحاكم وصف ايضا حديث بيرام عن العنصرية بأنه “عنصرية مقلوبة” أو “جهل بتاريخ البلد”، مذكراً بموقف موريتانيا ضد نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا حين كان جواز سفرها يحمل عبارة “ممنوع دخول جنوب إفريقيا”. كما شنّ هجوماً مباشراً على بيرام، معتبراً أنه هو من دأب على “تصنيف الموريتانيين على أساس اللون والأصل ومناطق السكن”، وأنه “ادعى الفوز في الانتخابات الرئاسية دون دليل، واحتج على منعه من تأسيس حزب سياسي بينما لم يودع أصلاً ملف التأسيس لدى الجهة الوصية”.
واتهم البيان بيرام بمحاولة “إيقاظ الفتنة واستجداء الخارج عبر الصراخ على عتبات هيئاته”، في وقت تنخرط فيه القوى السياسية، موالاة ومعارضة، في حوار شامل بدعوة من الرئيس.
وختم الحزب مؤكداً أن “موريتانيا ليست رواية متخيلة”، مستشهداً ببرامج وكالة “تآزر” التي تقدم الدعم للمرضى والمعوزين.
الجدل لم يتوقف عند حدود المواجهة بين بيرام والحزب الحاكم، بل امتد إلى محيطه الاجتماعي.
فقد أصدرت منظمة “العافية أمونكه” الغير حكومية، التي يرأسها أحمد ولد خطري ـ وهو من نفس المجموعة التي ينتمي إليها بيرام ـ بياناً لاذعاً اعتبر أن تصريحاته “تكرار لخطاب المظلومية والشحن العاطفي”، ووصفته بأنه “أسطوانة مشروخة” ظل يرددها دون تقديم حلول عملية.
المنظمة ذكّرت بأن بيرام لم يبرز من فراغ، بل صعد بدعم من الحركات القومية العربية، وخصّت بالذكر البعثيين والناصريين، متهمة إياه بالجحود والتنكر لذلك الدعم، واتخاذ الطعن في القوميين العرب وسيلة لمشروعه السياسي.
كما شددت على أن “التهميش في موريتانيا لا يخص شريحة واحدة بل يعاني منه الجميع، وهو نتاج تراكمات اقتصادية واجتماعية طويلة”، داعية إلى إصلاحات شاملة بدل الخطابات الشعبوية.
وأضاف البيان أن الفوارق الطبقية والاقتصادية ظاهرة عالمية، وأن القادة الحقيقيين يعالجونها بسياسات تنموية، لا بخطابات تؤجج الأحقاد.
واعتبر أن بيرام يفتقر إلى أي برنامج اقتصادي أو اجتماعي واضح، وأن خطابه يظل محصوراً في ثنائية “قوميون عرب” و”حراطين”، وهو خطاب يكرّس الانقسام بدل أن يفتح آفاق الوحدة الوطنية.
وختمت المنظمة بالتأكيد على أن “موريتانيا أكبر من أن تُختزل في طموحات فردية”، داعية الرئيس إلى تكثيف الجهود لمحاربة الفوارق والفساد.
وتكشف الأزمة الجديدة بين بيرام اعبيد من جهة، والحزب الحاكم ومنظمات من محيطه الاجتماعي من جهة أخرى، عن عمق الانقسام في الخطاب السياسي الموريتاني بين من يركز على “المظلومية العرقية” ومن يردّ بالحديث عن “الإنجازات التنموية”، وبين خطاب بروكسل الساعي إلى استجداء الخارج، وخطاب نواكشوط الذي يركز على الداخل، يبقى التحدي الأكبر هو الحفاظ على السلم الاجتماعي في بلد متعدد الأعراق والثقافات، فيما سيكون الحوار السياسي المرتقب الاختبار الحقيقي لقدرة موريتانيا على تجاوز الاستقطاب وبناء أرضية جامعة.



