قال وزير العدل الأسبق مصطفى الرميد إن المغرب أمام لحظة تشريعية فارقة بإقرار منظومة العقوبات البديلة، غير أن هذا التحول لن يحقق أهدافه إلا إذا رافقه تغيير حقيقي في الذهنيات داخل المنظومة القضائية وفي محيطها المؤسساتي.
واعتبر الرميد في كلمة له خلال ندوة حول العقوبات البديلة، بالجديدة، أن القانون الجديد يقدم أداة إصلاحية واعدة، لكن فعاليتها رهينة بإرادة التطبيق وتراكم الممارسة التي تسمح بتجاوز العقلية التقليدية في تدبير العقوبة.
وعاد الوزير الأسبق إلى سنة 2009 حين رسم الخطاب الملكي في 20 غشت توجها واضحا نحو تبني العقوبات البديلة كآلية للحد من الاكتظاظ بالسجون وتعزيز الإدماج، لتبدأ بعد ذلك مسيرة عمل طويلة امتدت لستة عشر عاما.
وأشار الرميد إلى اتفاقية التعاون التي عقدتها وزارة العدل سنة 2010 مع نظيرتها الدنماركية، والتي تكوّن بفضلها عشرات القضاة المغاربة في هذا المجال قبل أن يتسلم بعضهم اليوم مسؤوليات بمحكمة النقض، ما اعتبره دليلا على تراكم معرفي مهم.
كما أحال الوزير على ما صدر عن الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة من توصيات صريحة لاعتماد هذه البدائل، موضحا أن الصيغة الأولى أدرجت العقوبات البديلة داخل مشروعي القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية قبل أن تقرر الحكومة الحالية دمجها في قانون مستقل بعد سحب مشروع القانون الجنائي من البرلمان.
وسجل الرميد تطورا بارزا في الموضوع بعد رفع سقف العقوبة القابلة للاستبدال من أقل من سنتين إلى خمس سنوات، تجاوبا مع الواقع السجني الذي بلغ آنذاك مستوى حرجا في عدد النزلاء يقارب 100 ألف معتقل.
ويرى الرميد أن التخفيض المتوقع في عدد السجناء لن يكون كبيرا في المدى القريب، متوقعا أن يقتصر على بضع مئات من الحالات، لأن المشكل في جوهره يرتبط بعقلية التموقع التقليدي للعقوبة السالبة للحرية باعتبارها الخيار الأول.
ويوضح الوزير أن التجربة ستحتاج زمنا وتراكمات كي تتحول الذهنيات إلى قناعة بأن العدالة لا تعني بالضرورة السجن، بل أحيانا يكون الإصلاح أقرب حين يتحقق خارج الأسوار.
وركز الرميد على أهمية المراجع العملية التي يجب أن يعتمدها القضاة والمحامون لضمان تنزيل سليم للقانون، وفي مقدمتها المرسوم التطبيقي المنشور بالجريدة الرسمية سنة 2025 الذي يتضمن 72 مادة تفصيلية، خصوصا ما يخص المراقبة الإلكترونية التي خصص لها القانون مادة واحدة مقابل 18 مادة في المرسوم.
كما يشير إلى تقارير لجنتي العدل والتشريع بالمجلسين ودليل استرشادي صادر عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية، إضافة إلى شرح عملي موسع من 538 صفحة صدر عن المؤسسة نفسها.
ويشرح الوزير الجوانب القانونية للتعديلات التي طالت المادة 14 من القانون الجنائي بإضافة صنف ثالث للعقوبات يتمثل في العقوبة البديلة، مع إدراج 14 مادة جديدة ضمن الفصل 35 من القانون الجنائي و22 مادة أخرى في الفصل 647 من قانون المسطرة الجنائية، بما يسمح لقضاء الحكم وقاضي تطبيق العقوبات بمنح البديل وفق شروط محددة، كما أجاز النص للمتهم أو دفاعه أو النيابة العامة أو حتى الضحية تقديم طلب الاستفادة.
ويتوقف الرميد عند الاستثناءات التي لا تشملها العقوبات البديلة مثل الجرائم الماسة بأمن الدولة والإرهاب والرشوة والاختلاس وتبديد الأموال العمومية والاتجار في المخدرات والاعتداء على الأطفال وذوي الإعاقة وغسل الأموال، معتبرا أن المجتمع ينتظر حسا صارما إزاء تلك الأفعال رغم إشارته لوجود حالات كان يمكن فيها النقاش مثل جريمة الإشادة بالإرهاب.
ويعد العمل من أجل المنفعة العامة أهم صور البديل التي توقف عندها الوزير طويلا، معرفا إيّاه بكونه عملا غير مأجور لفائدة مؤسسات الدولة أو الجماعات الترابية أو الهيئات ذات النفع العام، يتم حسابه بمعدل ثلاث ساعات عن كل يوم حبس مع حد أدنى 40 ساعة وحد أقصى 3600 ساعة.
وربط وزير العدل الأسبق نجاح هذا الخيار بقدرة الفاعلين المحليين على توفير بيئة استقبال مناسبة تجعل هذه التجربة فعلا بوابة لإعادة الإدماج لا مجرد عقوبة على الورق.
وفي ختام مداخلته، أكد مصطفى الرميد أن الأمر ليس مجرد نص قانوني جديد بل تحول ثقافي في فهم العقوبة. ويرى أن المغرب وضع أساسا متينا لعدالة حديثة تنطلق من الردع ولكن تنتهي إلى الإصلاح، وأن نجاح العقوبات البديلة سيقاس بما يتحقق من تراكمات في الممارسة وتطوير في الذهنيات بما ينسجم مع التوجه الوطني نحو عدالة أكثر إنسانية وفعالية.



