كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، في روبورطاج مطول، عن تنامي ظاهرة هجرة اليهود المغاربة من إسرائيل إلى المغرب، مشيرة إلى أن هذه الحركة التي كانت في السابق محدودة وفردية، أصبحت تشهد زخما ملحوظا خلال السنوات الأخيرة، خاصة بعد توقيع اتفاقيات التطبيع بين تل أبيب والرباط أواخر سنة 2020.
وأوضحت الصحيفة المذكورة في روبورطاج خاص اطلعت عليه “الصحيفة” كاملا، أن الظاهرة تشمل بالأساس شبانا وشابات في العقدين الثالث والرابع من العمر، ينتمون إلى الجيل الثاني من اليهود المغاربة الذين وُلدوا في إسرائيل، وقرروا العودة إلى بلد أصولهم من أجل بناء حياة جديدة، تجمع بين الحنين إلى الجذور والرغبة في الهروب من واقع اقتصادي واجتماعي وسياسي معقد في إسرائيل.
ووثّق الروبورطاج قصصا شخصية ليهود إسرائيليين من أصول مغربية، من بينهم نيطاع حزان، التي قالت إنها شعرت بفرحة غامرة عندما حصلت على بطاقة الهوية المغربية في الرباط، ووصفت لحظة الاعتراف بها كمواطنة مغربية بأنها “تحقيق لحلم شخصي طال انتظاره”.
كما نقلت الصحيفة شهادات لمهاجرين آخرين أكدوا أن عودتهم إلى المغرب لم تكن فقط بدافع الحنين الثقافي، بل أيضا بسبب شعورهم بالإقصاء والتمييز في إسرائيل، وخاصة داخل بلدات التطوير التي وُجه إليها اليهود من أصول مغاربية بعد هجرتهم إلى الدولة العبرية.
ووفق “يديعوت أحرونوت”، فإن هذا التوجه للهجرة المعاكسة بدأ فعليا قبل توقيع اتفاقيات أبراهام، حيث سجلت بعض الحالات الفردية، لكن ما بعد 2020 شهد تسارعا في الطلبات للحصول على الجنسية المغربية، خاصة من طرف أشخاص يحتفظون بعلاقات عائلية قوية داخل المملكة.
الصحيفة أضافت أن فئة من العائدين إلى المغرب تضم فنانين وكوميديين وأكاديميين وحتى رجال أعمال، يعيش بعضهم بشكل دائم في مدن مثل الرباط ومراكش وفاس، بينما يختار البعض الآخر نمط العيش المزدوج بين المغرب وإسرائيل، مستفيدين من التسهيلات التي يوفرها جواز السفر المغربي.
ورغم الحماس الكبير الذي أبداه هؤلاء العائدون، إلا أن الطريق إلى استعادة الجنسية المغربية لم يكن دائما سلسا، حيث أوضحت الصحيفة العبرية أن الإجراءات القانونية والإدارية، خاصة بعد استغلال بعض المجرمين الإسرائيليين من أصول مغربية لثغرات في القانون، أصبحت أكثر صرامة، ما يتطلب دعما قانونيا وشهادات إثبات الأصل.
من جهتها، أكدت حن ألمليح، وهي مهاجرة إسرائيلية من أصل مغربي تقيم حاليا في الدار البيضاء، أن المغرب يمثل لها “هوية دفينة في الذاكرة والوجدان”، وأن الانتقال للعيش فيه كان بمثابة “عودة طبيعية إلى الذات”، مشيرة إلى أنها تعمل على استخراج الجنسية المغربية لابنتها رغم بعض التعقيدات الإدارية.
الصحيفة لفتت أيضا إلى أن الحرب في غزة وما أعقبها من تصاعد التوترات في المنطقة، تسببت في بعض التحديات لهؤلاء المهاجرين، حيث واجه عدد منهم مواقف عدائية من السكان المغاربة المحليين، بسبب الجنسية الإسرائيلية، رغم تعاطف قطاعات واسعة من المغاربة مع اليهود المغاربة واعتزازهم بتاريخهم المشترك.
وفي السياق ذاته، روى الكوميدي الإسرائيلي فني بيرتس، الذي يقيم في مراكش منذ سنتين، أنه رغم النجاح الكبير الذي حققه داخل المغرب، إلا أنه واجه بعض المضايقات بسبب مواقفه، من بينها رفض بعض زملائه المغاربة التعاون معه، ووضع علم فلسطين على سيارته بعد إحدى عروضه.
ومع ذلك، شدد بيرتس على أنه يشعر بالأمان داخل المغرب، مشيدا بتسامح المجتمع المغربي، وقدرته على التفاعل مع الهويات المتعددة، خاصة حين يتعلق الأمر باليهود ذوي الأصول المغربية الذين يتحدثون الدارجة ويفهمون العادات المحلية.
ونقل الروبورطاج جوانب أخرى من الحنين الثقافي، حيث سلط الضوء على تجربة الدكتور يونا ألفاسي، الأنثروبولوجي الذي هاجر من فاس إلى إسرائيل، والذي عمل على نشر تعليم اللهجة المغربية داخل المجتمع الإسرائيلي، مشيرا إلى الإقبال المتزايد من الجيلين الثاني والثالث من المغاربة الإسرائيليين على تعلم الدارجة.
واعتبر ألفاسي، في تصريحاته لـ”يديعوت أحرونوت”، أن هذا الاهتمام المتزايد باللهجة والثقافة المغربية يعكس “رغبة عميقة في تصحيح أخطاء الماضي”، مشيرا إلى أن كثيرين اليوم يسعون لإعادة الاعتبار لأصولهم بعد سنوات من التهميش داخل المجتمع الإسرائيلي.
هذا وأوردت “يديعوت أحرونوت” أن المغرب، رغم كونه بلدا عربيا مسلما، لا يزال يشكل مرجعية وجدانية وتاريخية لليهود المغاربة في إسرائيل، مشيرة إلى أن بعضهم يفكر في العودة بشكل نهائي، خاصة مع تطور العلاقات الثنائية والاعتراف الرسمي المتبادل.



