هل هي هجرة يأس في عهد سعيّد؟ تونس تتصدر لأول مرة الهجرة المغاربية نحو فرنسا متجاوزة الجزائر والمغرب وباريس تتهمها بالتقاعس عن استقبال رعاياها

admin23 أغسطس 2025آخر تحديث :
هل هي هجرة يأس في عهد سعيّد؟ تونس تتصدر لأول مرة الهجرة المغاربية نحو فرنسا متجاوزة الجزائر والمغرب وباريس تتهمها بالتقاعس عن استقبال رعاياها


تشهد فرنسا في الآونة الأخيرة تحولا لافتا في خريطة الهجرة المغاربية نحو أراضيها، حيث باتت تونس وللمرة الأولى في تاريخها المصدر الأول لهذه الهجرة، متجاوزة الجزائر والمغرب، وفق ما كشفته مذكرة صادرة عن المرصد الفرنسي للهجرة والديموغرافيا، وهو ما يعكس حالة السأم العام غير المسبوقة التي امتدت من المجال السياسي إلى الاجتماعي والاقتصادي، في عهد قيس سعيد لتتحول إلى أحد أبرز المحركات التي تغذي موجات الهجرة المتزايدة نحو الخارج.

ووفق المذكرة المذكورة، التي حصلت عليها صحيفة “لوفيغارو” ونشرت تفاصيلها في عددها اليوم السبت، فإن الموجة التونسية أصبحت الأوسع والأكثر نموا بين بلدان المغرب العربي بناء على أرقام مثيرة ودلالات عميقة، تتعلق ليس فقط بحجم الهجرة، ولكن أيضا بتحديات الاندماج وصعوبات الطرد والإرجاع وما يرافقها من تداعيات سياسية واقتصادية واجتماعية في فرنسا وفي تونس على حد سواء.

الأرقام الواردة في مذكرة المرصد، تؤكد أن فرنسا تعرف حاليا موجة هجرة تونسية ضخمة، إلى درجة أن هذا التدفق أصبح يتسارع بوتيرة تفوق الهجرة الجزائرية بمرتين.

ويشير التقرير إلى أن هذه الظاهرة حديثة نسبيا، لكنها تتسع بشكل متواصل منذ أكثر من عقد ونصف ففي سنة 2023، أحصى المرصد ما لا يقل عن 347 ألف مهاجر تونسي يقيمون فوق التراب الفرنسي، وهو رقم يعكس زيادة قوية بنسبة 52,6 في المائة ما بين 2006 و2023 وبذلك تمثل تونس حالة فريدة من حيث الارتفاع الأسرع بين بلدان المغرب العربي، حيث تضاعفت وتيرة الهجرة منها مقارنة بالجزائر، بينما ظل المغرب في مرتبة أدنى من حيث النمو.

وأبرزت المذكرة أيضا معطى ديمغرافي لافت، وهو ارتفاع معدل الولادات داخل الجالية التونسية في فرنسا فحوالي 57 في المائة من التونسيات اللواتي يصلن إلى فرنسا ينجبن طفلا في السنوات الأربع الأولى من إقامتهن وهذا الرقم يوضح أن المجتمع التونسي المهاجر في فرنسا يتميز بخصوبة عالية، ما يزيد من سرعة نموه الديمغرافي، ويضع السلطات الفرنسية أمام تحديات إضافية مرتبطة بالاندماج الاجتماعي والتربوي لهذه الفئة من السكان.

من جهة ثانية، فإن الصورة لا تقتصر على حجم الأعداد ونموها، بل تمتد إلى واقع الاندماج الاجتماعي والاقتصادي فبحسب بيانات المعهد الوطني الفرنسي للإحصاء (Insee)، فإن 35 في المائة من التونسيين البالغين من العمر 15 سنة فما فوق كانوا خارج سوق العمل والتعليم في سنة 2022، أي أنهم لا يزاولون أي وظيفة ولا يتابعون أي مسار دراسي.

وهذا المؤشر يعكس عمق الصعوبات التي يواجهها هؤلاء المهاجرون في الاندماج ضمن النسيج الاقتصادي الفرنسي إذ يشير مدير المرصد، نيكولا بوفرو-مونتي، إلى أن “هذه الصعوبات في الاندماج الاقتصادي ليست حكرا على التونسيين وحدهم، إذ يعاني منها أيضا الجزائريون والمغاربة، لكنها تظل أكثر وضوحا في حالة تونس، رغم أن فرنسا راهنت بالأساس على تطوير هجرة عمل مع هذا البلد”.

المفارقة الكبرى التي تطرحها مذكرة المرصد تكمن في أن فرنسا كانت قد عقدت عدة اتفاقيات مع تونس في السنوات الماضية لتسهيل مسارات الاندماج القانوني للمهاجرين، عبر منح تصاريح إقامة إضافية وتنويع فرص العمل النظامي وكان يفترض أن يقابل هذا الانفتاح تعاون من الجانب التونسي في مراقبة الهجرة غير الشرعية والحد منها، خصوصا عبر قبول استعادة مواطنيها الذين يوجدون في وضعية غير قانونية في فرنسا غير أن الحصيلة جاءت مغايرة تماما فالهجرة النظامية ازدادت، لكن الهجرة غير النظامية لم تخضع لأي ضبط فعال، فيما واصلت تونس، تماما مثل الجزائر، رفضها استرجاع رعاياها المطرودين أو المشمولين بقرارات الترحيل.

وهذا الوضع يطرح معضلة حقيقية للسلطات الفرنسية، فمن جهة، هي مضطرة للتعامل مع تدفق مهاجرين جدد وتزايد في أعداد الجالية التونسية بشكل لافت، ومن جهة أخرى، تواجه صعوبات قانونية وسياسية في تنفيذ عمليات الطرد والإرجاع.

ونقلت “لوفيغارو” عن بوفرو-مونتي تأكيده أن “فرنسا سهّلت مسارات الاندماج النظامي مع تونس عبر اتفاقيات، وكان من المفترض أن تتم هذه الزيادة في تصاريح الإقامة مقابل ضبط للهجرة غير النظامية لكن ذلك لم يتحقق”.

إلى جانب ذلك، يبرز التقرير أيضا أن مسار الاندماج في سوق العمل لا يسير بالوتيرة التي كانت تراهن عليها باريس فقد كان الهدف الأصلي هو تعزيز هجرة العمل المنظمة، لكن في المقابل أظهرت الأرقام أن نسبة كبيرة من التونسيين يجدون أنفسهم خارج مسار الشغل أو التكوين، وهو ما يجعلهم أكثر عرضة للهشاشة الاقتصادية والاجتماعية.

وهذه الفجوة بين التصور والواقع، وبين ما هو مبرمج في الاتفاقيات وما هو مطبق على الأرض، تجعل من الملف محور جدل واسع في فرنسا، خاصة في ظل النقاشات السياسية الحامية حول الهجرة والاندماج والهوية الوطنية.

وتشهد تونس منذ سنوات عهد الرئيس قيس سعيّد حالة من السأم العام غير مسبوقة، امتدت من المجال السياسي إلى الاجتماعي والاقتصادي، لتتحول إلى أحد أبرز المحركات التي تغذي موجات الهجرة المتزايدة نحو الخارج، خاصة نحو فرنسا فبعد قرابة أربع سنوات من الإجراءات الاستثنائية التي أعادت تركيز السلطات بيد الرئيس، فقد جزء كبير من التونسيين الثقة في المؤسسات السياسية، وهو ما عكسه النفور الواسع من المشاركة الانتخابية حيث لم تتجاوز نسبة الإقبال عشر الناخبين المسجلين في اقتراع 2024.

وهذا العزوف لا يعبر فقط عن لا مبالاة سياسية، بل يترجم حالة إحباط جماعي واعتقاد واسع بأن آليات التغيير من داخل النظام لم تعد مجدية، وهو ما يدفع شرائح واسعة، وفي مقدمتها الشباب، إلى التفكير في الهجرة باعتبارها المخرج الوحيد من واقع الانسداد.

وتراجع التعبئة الاجتماعية عزز بدوره هذا الشعور. فحتى الاتحاد العام التونسي للشغل، وهو القوة النقابية التاريخية التي طالما قادت الشارع، لم ينجح في إعادة إشعال جذوة الاحتجاجات، فضلا عن كون التظاهرات التي دعا إليها في السنوات الأخيرة جاءت محدودة الأثر، ولم تُترجم إلى تغيير ملموس في السياسات العمومية.

وهذا الفراغ في الفعل الجماعي جعل الشباب يستنتجون أن “الحرقة” أو ركوب البحر قد يكون أكثر نجاعة من المشاركة في احتجاجات لا تثمر، وهو ما يفسر الطفرة الكبيرة في أعداد المهاجرين التونسيين التي سجلتها تقارير فرنسية، حيث باتت الهجرة التونسية أسرع بمرتين من الهجرة الجزائرية، ومتجاوزة أيضا نظيرتها المغربية، وفق بيانات المرصد الفرنسي للهجرة والديموغرافيا.

ويزيد الوضع الاقتصادي الطين بلة، فقد أظهرت بيانات المعهد الوطني للإحصاء أن 35 في المائة من التونسيين البالغين 15 سنة فما فوق كانوا خارج سوق العمل والتعليم في عام 2022، وهو مؤشر صادم يوضح حجم البطالة المقنّعة وفقدان الأمل في المستقبل.

وهذه المعطيات تفسر لماذا يفضل الآلاف من الشباب ركوب مخاطر الهجرة غير النظامية بدل البقاء في وضعية انسداد داخلي. وفي موازاة ذلك، يشير تقرير المرصد الفرنسي إلى أن الجالية التونسية في فرنسا تجاوزت 347 ألف شخص سنة 2023، بزيادة قدرها 52,6 في المائة منذ 2006، لتصبح تونس المصدر الأول للهجرة المغاربية إلى فرنسا.



Source link

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة