أصبح بعض صناع السينما يصنفون أفلامهم على أنها “عائلية” أو “موجهة للجمهور العريض”، خصوصا الأعمال التجارية والكوميدية، إذ يظهر هذا التصنيف على بوسترات الأفلام كما فيلم “مايفراند” وفي الحملات الإعلامية المصاحبة لإطلاقها، بهدف استقطاب جمهور واسع يُنظر إليه غالبا باعتباره “جمهورا نظيفا”.
وسبق للسينما المصرية أن عرفتها ممارسات مشابهة، إذ كانت الأعمال تُصنف وفق غياب المشاهد الخادشة للحياء أو وجود إيحاءات قد لا تناسب جميع الفئات العمرية، ليرتبط هذا التصنيف بشكل واضح بنوعية المحتوى المقدم للجمهور.
وفي المغرب، بدأت هذه الممارسة تظهر بشكل أكثر وضوحا في السنوات الأخيرة، إذ باتت بعض الأفلام تُسوق على أنها “نظيفة” أو مناسبة للعائلة، في محاولة لجذب شريحة أكبر من المتفرجين.
ويلاحظ مراقبون أن هذا التصنيف أصبح مرتبطا بتوجهات الإنتاج التجاري، مع التركيز على ما يعرف بـ”الجمهور النظيف”، إذ يرى الناقد فؤاد زويرق أن تصنيف الأفلام إلى “نظيفة” و”غير نظيفة” أصبح ظاهرة واضحة، مشيرا إلى أن بعض صناع السينما يفتخرون بهذا التصنيف لجذب أكبر عدد ممكن من الجمهور.
ويصف زويرق هذا التصنيف في رأي شاركه مع متابعيه بأنه “سطحي وشعبي مريض”، مضيفا أن هذا النهج “يتجاهل البعد الجمالي والمعرفي للعمل الفني، ويختزل التجربة السينمائية في معيار أخلاقي ضيق، بدل النظر إليها كتجربة فنية وفكرية مركبة ومجردة من أية أحكام مسبقة”.
ويشير زويرق أيضا إلى أن السؤال الأهم لا يتعلق بـ”نظافة” الفيلم، بل بما إذا كان الفيلم يضيف إلى وعينا، ويوسع أفقنا الجمالي والفكري، أو يكتفي بإعادة إنتاج الابتذال في صورة محترمة اجتماعيا.
ويتساءل الناقد السينمائي: “هل هو ضروري؟ هل يضيف إلى وعينا شيئا؟ هل يوسع أفقنا الجمالي والفكري، أم يكتفي بإعادة إنتاج الابتذال في صورة محترمة اجتماعيا؟”.
ويضيف الناقد أن السينما، في النهاية، “ليست درسا في التهذيب، ولا مساحة لتأكيد ما نعرفه مسبقا، بل هي مساحة لزعزعة المسلمات وتوسيع أفق الإدراك”.
ويشير أيضا إلى أن السينما تقوم على حرية التعبير وجرأة الطرح وقدرة الصورة على تجاوز حدود الوعظ التقليدي، لتصبح مساحة للتفكير والمساءلة ورؤية الذات والعالم من زوايا أكثر تعقيدا وجرأة، بعيدا عن اختزالها في معيار الطهرانية أو المثالية الأخلاقية.
ويُلاحظ أيضا أن تصنيف الأفلام بهذا الشكل يعكس تغيرا في أساليب تسويق الأفلام وتفاعل الجمهور معها، إذ يركز المنتجون على ترويج الأعمال التي تُعتبر مناسبة للعائلة أو “نظيفة”، فيما تُركت الأعمال الأخرى لتجد جمهورها وفق طبيعة محتواها وموضوعاتها.
ويظهر أن تصنيف الأفلام إلى “نظيفة” و”غير نظيفة” أصبح أحد الجوانب البارزة في صناعة السينما الحديثة، ما يجمع بين الاعتبارات الاجتماعية والتسويقية، في ظل استمرار النقاش حول الدور الحقيقي للفن السينمائي وأفقه الجمالي والفكري.



