عادت الحيوية لبورصة الدار البيضاء أخيراً بفعل عمليتي إدراج جديدتين، تهم إحداهما فاعلاً كبيراً في السوق المالية المغربية، وتحديداً قطاع تحويل الأموال. يتعلق الأمر بـ”كاش بلوس”، التي بالرغم من حضورها الوازن في السوق وآفاقها الطموحة، إلا أن عدم إدراجها عامل الابتكار في نشرة الاكتتاب قد يضعف جاذبيتها لفئة من المستثمرين شديدي الانتباه للتحولات التكنولوجية المتسارعة في السوق.
ولاحظت المهندسة المالية، اسمهان لضغم، في تحليلها لهذا الطرح العام، أن “كاش بلوس شركة قوية، مربحة وذات فائدة واضحة اليوم. لكن طرحها في البورصة يعتمد على مخطط عمل شديد التحفظ. وبالتالي فإنها تُعتبر فرصة جيدة للمستثمرين الصبورين، لكنها أقل من ذلك لمن يبحثون عن رؤية استراتيجية مفصلة مسبقاً.”
وتدخل كاش بلوس غمار البورصة قويةً بأصولها التي تبلغ 4600 وكالة اليوم، مع استهداف الوصول إلى 7800 وكالة بحلول سنة 2030؛ حيث تنشط الشركة في مجال الخدمات المالية الهامة كالتحويلات وأداء الفواتير، وتستفيد من شبكة ضخمة، متمركزة على وجه الخصوص بالمناطق الأقل استفادة من الخدمات البنكية.
وتضيف الباحثة في ورقتها التحليلية أنه، وفقاً لنشرة الاكتتاب، فإن الناتج البنكي الصافي المتوقع للشركة بحلول سنة 2030 هو 1.45 مليار درهم، والربح الصافي حوالي 397 مليون درهم، بنمو سنوي متوسط قدره 10.6 بالمئة.
وترى الخبيرة أن هذه الأرقام منطقية على الورق لكن عند قراءة نشرة الاكتتاب يمكن العثور على جملة فارقة مفادها أن “خطة العمل تقتصر على الخدمات الحالية دون أخذ خدمات جديدة بعين الاعتبار…”.
وأوضحت أن ذلك يعني أن توقعات الشركة للفترة ما بين 2025–2030 مبنية على نفس نموذج الاقتصادي الحالي، دون إدراج أي ابتكارات جديدة أو برمجة أي تحوّل رقمي في التقديرات.
واعتبرت أن هذا التوجه يعد شديد التفاؤل في سوق يتحول بسرعة كبيرة، حيث يعتمد النموذج الحالي لـ”كاش بلوس” على زبناء غير منخرطين بالبنوك، غالبيتهم من كبار السن؛ ويعيشون بمناطق قروية، وليسوا من المتعاملين مع الأدوات الرقمية الحديثة. خاصة أن هذه الفئة تتناقص بالمجتمع المغربي، بينما “كاش بلوس” تراهن على نموذج قائم عليها كما لو أنها تتزايد.
ولفتت لضغم إلى أن المغرب في الفترة 2025–2030 يتجه نحو رقمنة واسعة وتوسيع الدفع الإلكتروني وتسريع الشمول البنكي؛ “كما أن الشباب أصبحوا يعتمدون كلياً على الهاتف النقال، والتعامل النقدي آخذ في تراجع هيكلي، وبالتالي، فإن نموذجاً يعتمد أساساً على الفروع والخدمات المادية لا بد أن يتغير”.
ومن جهة ثانية أشارت إلى أنه بالنسبة لعدد السنوات التي تحتاجها الشركة “لتردّ للمستثمر سعر السهم” من أرباحها، والمعروف بـ”مضاعف الربحية”، فـ”كاش بلوس” أعلنت عن حوالي 16.5، و”هو مبني على توقعاتها الداخلية، لكن إذا أخذنا في الاعتبار رقمنة السوق؛ وتغيّر قاعدة الزبناء؛ وإمكانية تغيّر الهوامش… فالمضاعف “الواقعي” قد يقترب أكثر من 18–20″.
واعتبرت أن هذا المعطى مهم في التحليل ذلك أن “كاش بلوس” أوضحت أنها لا تدرج في توقعاتها خدمات جديدة، أو ابتكارات مستقبلية أو استحواذات محتملة على شركات أخرى، مما يعبر عن مقاربة حذرة. موضحة أنها بالنسبة للمستثمر فقد تعني أن التقييم الحالي مبني فقط على النموذج الموجود، وليس على التحول المستقبلي.
ولفتت إلى أن هذا أمر شائع في أغلب عمليات الإدراج بالبورصة، لأن الشركات تفضّل عدم التقيد بوعود قد لا تستطيع تنفيذه لاحقاً حتى لا تقيّد نفسها استراتيجياً وتحتفظ بمرونتها بعد دخول البورصة.



