أكدت وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، نعيمة ابن يحيى، أن ارتفاع حالات الطلاق لم يعد مجرد ظاهرة اجتماعية، بل مؤشرا مقلقا على تحولات بنيوية تمس عمق الأسرة المغربية، وتهدد دورها كمؤسسة أولى للتنشئة الاجتماعية والتماسك المجتمعي، معلنة عمل الوزارة لإعداد برنامج لتأهيل ومواكبة المقبلين على الزواج لتطويق حالات الطلاق.
وأوضحت ابن يحيى، في جواب عن سؤال كتابي لرئيس الفريق الحركي بمجلس النواب، ادريس السنتيسي، حول “الارتفاع المقلق في حالات الطلاق”، أن قراءة ارتفاع حالات الطلاق في المغرب لا يمكن أن يكون منعزلا عن سياقه العام، بل ينبغي فهمه كتجل ملموس لمجموعة من التحولات البنيوية التي مست الأسرة المغربية، على غرار ما عرفته أغلب المجتمعات المعاصرة.
وكشفت، استنادا إلى نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى، أننا انتقلنا من نموذج أسري مركب، تتوزع داخله الأدوار والمسؤوليات بين أفراد العائلة الكبيرة، إلى نموذج نووي محدود، يواجه فيه الزوجان، وحدهما، تحديات الرعاية، والتنشئة، والتوفيق بين متطلبات الحياة المهنية والأسرية، في ظل تقلص التضامن المجتمعي.
وأشارت إلى أن هذه التحولات؛ وإن كانت طبيعية في زمن التحول التكنولوجي وتغير منظومات القيم وتسارع وتيرة الحياة، أفرزت آثارا سلبية على استقرار الأسرة، خاصة في ظل هشاشة أدوات المواكبة، وضعف منظومة الدعم النفسي والتربوي، وغياب الوساطة الأسرية في مراحل ما قبل الانفصال، أو حتى قبل الزواج.
وأكدت أن الوزارة تعمل على إعداد برنامج لتأهيل ومواكبة المقبلين على الزواج، لأجل التقليص من حالات الطلاق والمساهمة في بناء أسر متماسكة وقادرة على مواجهة مختلف التحديات.
وأبرزت أن برنامج التأهيل يشمل مداخل متعددة، هي الدعم الاجتماعي للشباب المقبل على الزواج وتسهيل الولوج للخدمات والفرص الاقتصادية من سكن وغيره، إضافة إلى التأهيل والتكوين والتوعية من خلال حقائب لتكوين المقبلين على الزواج بشكل حضوري أو عبر منصات التكوين الرقمي.
وكشفت نية وزارتها إطلاق نقاش عموي لبناء تصور وطني حول سياسة دعم وتكوين المقبلين على الزواج وذلك في إطار التفاعل مع مخرجات هيئة مراجعة مدونة الأسرة، والتي أوصت باعتماد سياسة عمومية للمقبلين على الزواج من جانب، وتفعيلا كذلك لأولويات السياسة الأسرية الاجتماعية التي تمت بلورتها بمشاركة مختلف الفاعلين في مجال الأسرة، والتي خصصت حيزا كبيرا لتأهيل المقبلين على الزواج، إلى جانب برامج ذات بعد وقائي وتكويني للأسر كبرنامج التربية الوالدية والوساطة الأسرية وغيرها.
وأبرزت أن الوزارة عملت على إعداد مشروع سياسة أسرية اجتماعية تترجم حرص الحكومة على اعتماد رؤية موحدة ومندمجة للنهوض وحماية الأسرة المغربية، بحيث تشكل هذه السياسة الأسرية آلية لتعزيز صمود الأسر في مواجهة التحولات والتغيرات الاقتصادية والبيئية والثقافية، ومقوية للروابط الاجتماعية، وداعمة للمساواة وتكافؤ الفرص، كما تسعى لضمان التقائية كل الأنشطة والبرامج الاجتماعية التي تهدف إلى تحقيق الرفاه لكل أفراد الأسرة في إطار الحماية الاجتماعية.
بهذا الصدد، لفتت الوزيرة إلى إحداث 55 فضاء للأسرة، وهي عبارة عن شباك وحيد يقدم مجموعة من الخدمات للأسر من بينها التربية الوالدية، وتأهيل المقبلين على الزواج والحضانات الاجتماعية لفائدة الأطفال من 3 أشهر إلى 4 سنوات (49 حضانة اجتماعية)، موزعة على مختلف أقاليم المملكة، في إطار الشراكة مع المجتمع المدني، والتي ساهت الوزارة في تمويلها بمبلغ 20 مليونا و172 ألفا و250 درهما.
وأبرزت أن تطوير خدمات التربية الوالدية يتم من خلال دعم مبادرات المجتمع المدني من خلال دعم مشاريع تهدف إلى توفير الخدمة للأبناء والأسر، حيث تم دعم حوالي 38 جمعية بمبلغ إجمالي يقدر بـ7 ملايين و5 آلاف درهم برسم سنة 2023، إضافة إلى تنفيذ برنامج تكويني لمكونين في التربية الوالدية الذي استفاد منه حوالي 141 مكونا ومكونة عبر مختلف جهات المملكة، زيادة على إعداد دلائل عملية في مجال التربية الوالدية، ورقمنة التكوين في المجال ليكون متاحا للأسر وجميع المهتمين والفاعلين، من خلال توفير منصة إلكترونية خاصة بالتربية الوالدية.
وأشارت المسؤولة الحكومية إلى أن الوزارة تعمل على معيرة وتوفير خدمات رعائية ذات جودة عالية، خاصة في مجال المساعدة الاجتماعية للوقاية من العزلة والاقصاء الاجتماعي، وحماية ودعم الاستقلال الذاتي للأشخاص الذين يعانون من صعوبات اجتماعية، وذلك من خلال تسهيل وصولهم إلى الحقوق وأنظمة الدعم والمساعدة الاجتماعية، والحصول على المعلومة، والمساعدة في الإجراءات الإدارية، لولوج مراكز التوجيه والتوعية والدعم الاجتماعي الطبي.



