زنقة 20 | الرباط
في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها الاقتصاد الرقمي، لم يعد من الممكن تأجيل النقاش حول طبيعة العلاقة التنظيمية بين السلطات و”عمالقة التكنولوجيا”.
هذه الشركات، التي تمتلك القدرة على التأثير في الأسواق، وتوجيه سلوك المستهلكين، وتحديد شروط المنافسة، تطرح تحديات غير مسبوقة للأنظمة القانونية والتشريعية القائمة.
لطالما تمحورت العلاقة بين الجهات التنظيمية وشركات التكنولوجيا حول المواجهة القضائية، حيث يتم اللجوء إلى العقوبات والغرامات بعد إثبات المخالفات.
غير أن تطور الأسواق الرقمية وتعقيد نماذج الأعمال أظهر أن الأدوات التقليدية – رغم أهميتها – قد لا تكون كافية أو ناجعة دائمًا.
في هذا السياق، تبرز اتفاقيات التسوية كآلية بديلة أو مكمّلة، تفتح المجال أمام حلول توافقية، قابلة للتحقق والمراقبة، دون إطالة أمد النزاعات القانونية أو تعطيل الابتكار.
القضية التي أُغلقت مؤخرًا بين شركة “غلوفو المغرب” ومجلس المنافسة تمثل نموذجًا متقدمًا لهذا النوع من المعالجة.
فبدلًا من السير في مسار العقوبات التقليدية، أفضت التحقيقات إلى اتفاقية تسوية ملزمة تضمنت إصلاحات ملموسة في العقود، شروط الشفافية، وأسس التنافس العادل.
دون اعتراف بالذنب، التزمت الشركة بجملة من الإجراءات، وأقرّت الجهة التنظيمية بقدرتها على التأثير عبر أدوات غير زجرية.
هذه التجربة تُظهر أن التنظيم لا يعني بالضرورة الردع العقابي، بل قد يكون تأطيرًا مرنًا، قائمًا على المبادرة والمراقبة المستمرة.
السؤال الجوهري الآن بحسب مهتمين ، هو هل يمكن إطلاق اتفاقات مماثلة في قطاعات أخرى مثل التجارة الإلكترونية، خدمات النقل الذكي، المنصات السمعية البصرية، أو حتى الذكاء الاصطناعي؟.
الجواب وفق هؤلاء ليس بسيطًا، لكنه ممكن بشرط توافر ثلاثة عناصر أساسية ، إطار قانوني مرن ومتطور يسمح للجهات التنظيمية بالدخول في تسويات مشروطة وملزمة قانونًا ، وجهات تنظيمية استباقية قادرة على التحليل والتدخل قبل تفاقم الأضرار، وليست مجرد آلية تصحيح بعد وقوع الخلل ، و شركات رقمية منفتحة تُدرك أهمية بناء علاقة مستدامة مع السلطات، وتُفضل التعاون على المواجهة.



