في خضم التحضيرات المكثفة للدورة التاسعة من مؤتمر طوكيو الدولي حول التنمية في إفريقيا (TICAD 9) المقررة بيوكوهاما من 20 إلى 22 غشت 2025، عاد ملف مشاركة جبهة البوليساريو إلى واجهة النقاش الدبلوماسي، وسط إشارات يابانية متجددة إلى قواعد المشاركة وحركة جزائرية نشطة لفتح منافذ سياسية للجبهة داخل فضاء تنموي يفترض أن يظل محايدا
وقبل أيام قليلة من الافتتاح، استقبل نائب الوزير البرلماني للشؤون الخارجية الياباني السفير الجزائري المعيّن لدى طوكيو توفيق ميلاط في “زيارة مجاملة”، فيما ورغم الطابع البروتوكولي المعلن إلا أن توقيت اللقاء يمنحه وزنا سياسيا لجهة ضبط إيقاع المشاركة الإفريقية وتفادي أي توترات مرتبطة بمحاولات تمرير مشاركة وفود البوليساريو خارج قواعد الدعوة المتوافق عليها مع الدولة المضيفة وشركائها.
وقد نشرت الخارجية اليابانية بيانا وصورا عن هذا اللقاء، مؤكدة الرغبة المتبادلة في مواصلة تعزيز التعاون الثنائي، مشيرة إلى أن TICAD إطار تقوده طوكيو منذ 1993 بالشراكة مع الأمم المتحدة وبرنامجها الإنمائي والبنك الدولي ومفوضية الاتحاد الإفريقي، وأن نسخته التاسعة ستنعقد في المواعيد المعلنة.
من جهة ثانية، فإن السياق ليس جديدا على TICAD، ففي أكتوبر 2018 انسحبت الرباط من اجتماع وزاري للملتقى في طوكيو احتجاجا على حضور وفد البوليساريو ببطاقات اعتماد من الاتحاد الإفريقي، فيما ذكّر وزير الخارجية الياباني حينها تارو كونو بأن وجود أي كيان لا تعترف به اليابان “لا يعني بأي حال اعترافا ضمنيا أو صريحا به كدولة”، وهذه الصياغة أصبحت منذ ذلك الحين بمثابة “قاعدة تفسيرية” تحضر كلما عاد الجدل حول هوية المشاركين.
الموقف الياباني تكرر بوضوح في 2019 خلال TICAD 7 بيوكوهاما، حيث شدد كونو مجددا على أن اليابان لا تعترف بما يسمى “الجمهورية الصحراوية”، وأن حضور أي وفد يحمل تلك الصفة لا يغير من الموقف القانوني لطوكيو، وهو نفس الخط الذي تبنته طوكيو في 2022 عندما استضافت تونس TICAD 8 ودعت من جانب واحد زعيم البوليساريو حينها أصدرت اليابان بيانا يرفض المشاركة ويؤكد أن وجود أي كيان غير معترف به لا يؤثر على موقفها القانوني.
في صيف 2024 قبيل التحضير لنسخة هذا العام، انفجرت مشادة علنية بين دبلوماسيين مغاربة وجزائريين على هامش اجتماع تحضيري بطوكيو بعد محاولة فرض لافتة تحمل تسمية “الجمهورية الصحراوية” والحادث وثقته وسائل إعلام يابانية ودولية، فيما ذكّرت طوكيو مجددًا بأنها لم توجّه دعوة لذلك الكيان وأنها لا تعترف به وهذا التوتر أبرز هشاشة الهامش البروتوكولي في اجتماعات تحرص اليابان على أن تبقى منصاتٍ للتعاون التنموي، لا ساحاتٍ لتجاذبات جيوسياسية.
وفي ضوء هذا الإرث، لا تبدو “زيارة المجاملة” بين الخارجية اليابانية والسفير الجزائري خطوة اختبار نوايا بقدر ما هي تواصل ثنائي فاليابان بوصفها الدولة المضيفة والمشرفة على الإطار المؤسسي للمؤتمر مع شركائها الأمميين والإفريقيين، تتمسك بحقها في ضبط قوائم المشاركة وفق القواعد المتعارف عليها في TICAD، وأهمها أن الحضور لا ينبغي أن يكتسب دلالات اعتراف سياسي لكيانات لا تعترف بها الدولة المضيفة.
بالمقابل، تراهن الجزائر على توظيف شبكاتها داخل الاتحاد الإفريقي والزج بوفود البوليساريو في الفعاليات، ولو عبر عناوين قطاعية أو هامشية، بما يخلق “أمرا واقعا” رمزيا ولو مؤقتا، قبل أن تتدخل طوكيو لتوضيح الموقف.
تاريخيا، حافظت اليابان على “خطين متوازيين” في إدارة هذا الملف الأول، التشديد القانوني على أن المشاركة لا تساوي اعترافا، مع إبراز دور الدولة المضيفة في القرار النهائي بشأن الدعوات والثاني، الإصرار على إبقاء TICAD منصة تنموية عملية تتعلق بالشراكات والتمويل والحوكمة، لا مسرحا لملفات تقرير المصير أو نزاعات السيادة التي تشتتها عن أهدافها لذلك، كلما طُرحت قضية البوليساريو داخل TICAD لجأت طوكيو إلى بيانات تذكيرية تضبط التأويل القانوني وتُبقي الباب مفتوحا لمشاركةٍ واسعة دون منح غطاءٍ سياسي خارج إرادة الدولة المضيفة.
إجرائيا، أظهرت التجارب السابقة أن سكرتارية مؤتمر TICAD والحرس البروتوكولي الياباني يتحركان بسرعة عند رصد أي محاولة لإدخال وفود أو لافتات غير مصرح بها. ففي نسخة 2018، أزالت فرق البروتوكول بطاقات تعريف تحمل صفة “الجمهورية الصحراوية” من على الطاولات، فيما أوقفت عناصر الأمن الداخلي أشخاصا حاولوا الولوج إلى القاعة الرئيسية دون اعتماد رسمي، وتمت مرافقتهم إلى خارج منطقة الاجتماعات.
أما في حادثة 2022، حين استضافت تونس زعيم البوليساريو بدعوة من الاتحاد الإفريقي، لجأت اليابان إلى مقاطعة الجلسة الافتتاحية وإصدار بيان فوري يعيد التأكيد على موقفها القانوني، مع ترك أعمال المؤتمر تسير وفق البرنامج لتجنب الانهيار التنظيمي.
وهذه السوابق تعكس أن أدوات التعامل تتراوح بين التدخل الميداني المباشر لمنع أي اختراق بروتوكولي، والتحرك الدبلوماسي السريع عبر بيانات رسمية لإعادة ضبط الإطار القانوني، وهي آليات يُرجح أن تُفعّل مجددا إذا حاولت الجزائر تمرير وفد البوليساريو في يوكوهاما هذا الشهر.
أما رهانات الدورة الحالية فتتجاوز البروتوكول إلى مضمون السياسات فـTICAD 9 يحمل أجندة ثقيلة في تمويل البنى التحتية والانتقال الطاقي والصحة وسلاسل القيمة الصناعية، وهي ملفات تراهن عليها اليابان ضمن مقاربة ربط إفريقيا بشبكات استثمار وتمويل أكثر استدامة، وأي انزلاقٍ نحو صداماتٍ رمزية على أبواب اللجان والجلسات قد يضر بصورة المؤتمر وبقدرة اليابان على حشد الالتزامات المالية والفنية المرجوّة ولهذا، تبدو طوكيو حريصة على إغلاق الثغرات الإجرائية مبكرا، وتكثيف التواصل مع الجزائر لتفادي تكرار سيناريوهات 2018 و2022 و2024.



