باريس بدأت تقتنع بضرورة “تقرير مصيرنا” – الصحيفة

admin19 أغسطس 2025آخر تحديث :
باريس بدأت تقتنع بضرورة “تقرير مصيرنا” – الصحيفة


أثار ملف نشرته مجلة “لوبوان” الفرنسية تحت عنوان “القبائل، شعب صامد”، عاصفة من الجدل السياسي والإعلامي بين باريس والجزائر في ظل العلاقات الدبلوماسية جد المتوترة بين العاصمتين، سيما بعدما أعاد تسليط الضوء على القضية القبائلية وما يرافقها من حساسيات ممتدة منذ عقود، حيث تضمّن العدد، أبعادا تاريخية وثقافية وسياسية لمنطقة القبائل، وأعادت إلى الواجهة نقاشا ظلّ في خانة المسكوت عنه بالنسبة للنظام الجزائري، وهو نقاش الهوية والاعتراف بالتعددية الثقافية والسياسية.

الملف الذي نشرته المجلة الفرنسية، لم يكتف باستعراض وقائع تاريخية أو ملامح ثقافية، بل قدّم رواية عن نضال القبائل ضد محاولات الطمس والتهميش وأرفقه بشهادات وأرقام تشير إلى وجود عشرات المعتقلين من النشطاء القبائليين، مستندا إلى تقارير منظمات حقوقية مثل هيومن رايتس ووتش، وهو ما منح للملف بعدا حقوقيا وسياسيا يتجاوز مجرد عمل صحافي.

الصدمة التي أحدثها الملف داخل الجزائر عكست حجم الحرج الذي يسببه هذا النوع من الطرح للنظام العسكري، الذي بنى سرديته منذ الاستقلال على شعار الوحدة الوطنية في مواجهة أي نقاش قد يُفهم كدعوة إلى الانفصال أو التشكيك في الهوية الجامعة، وسارعت وسائل الإعلام القريبة من السلطة إلى مهاجمة مجلة “لوبوان”، كما وصفت الملف بأنه تدخل سافر في الشأن الداخلي وامتداد لما اعتبرته “حملات استعمارية” تستهدف ضرب استقرار البلاد، لكن هذه الردود بدت في المقابل وكأنها اعتراف ضمني بأن مجرد طرح الموضوع في الصحافة الفرنسية الواسعة الانتشار قادر على هز صورة النظام داخليا وخارجيا، وأن النقاش حول القبائل لم يعد شأنا محليا يمكن إسكاته بسهولة.

في المقابل، استقبلت أوساط واسعة من الجالية القبائلية في فرنسا الملف بكثير من الترحيب، معتبرة أن مجرد تخصيص غلاف ومقالات معمقة للقبائل هو خطوة نوعية في كسر الصمت الفرنسي حول المسألة، فقد ظلت باريس رغم ارتباطها التاريخي بالجزائر، حذرة من الخوض في قضايا الهوية والأقليات مخافة الإضرار بعلاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع النظام الجزائري غير أن هذا الحذر بدأ يتعرض لاختبار حقيقي في ظل تصاعد أصوات في الإعلام والرأي العام ترى أن إنكار وجود معاناة حقيقية في منطقة القبائل لم يعد ممكنا، وأن القمع السياسي والثقافي الممارس هناك صار مادة تتصدر تقارير المنظمات الحقوقية الدولية.

المفاجأة الأبرز جاءت من تعليق فرحات مهني، رئيس حركة “الماك” وزعيم ما يسمى “الحكومة القبائلية في المنفى”، الذي اعتبر في تصريح لـ”الصحيفة” أن الضجة التي أثارها الملف تكشف حالة ذعر لدى النظام العسكري الجزائري، مؤكّدأ أن فرنسا بدأت تقتنع بصواب رؤية الحركة القائلة إن دعم حق الشعب القبائلي في تقرير مصيره هو الورقة الوحيدة القادرة على خلق توازن حقيقي في مواجهة الجزائر، بينما تبقى كل الإجراءات الأخرى قابلة للإدارة من طرف النظام.

وقال فرحات مهني، رئيس الحركة من أجل تقرير مصير منطقة القبائل وزعيم “الحكومة القبائلية في المنفى”، إن الضجة التي أثارها ملف مجلة لوبوان تحت عنوان “القبائل، شعب صامد” ليست مجرد نقاش إعلامي عابر، بل دليل ملموس على حالة ارتباك وذعر داخل النظام العسكري الجزائري، الذي طالما اعتبر أي حديث عن القبائل خطا أحمر لا يجوز تجاوزه.

وأوضح مهني في حديثه لـ “الصحيفة”، أن ردود الفعل الانفعالية التي صدرت من أذرع السلطة تكشف هشاشة الرواية الرسمية حول “الوحدة الوطنية”، وتؤكد أن مجرد فتح النقاش في منبر فرنسي واسع الانتشار يكفي لإرباك الخطاب الرسمي الجزائري، موردا أن فرنسا، بكل تياراتها ومؤسساتها، بدأت تدرك اليوم أن الرؤية التي تبنّتها الحركة منذ سنوات لم تكن سوى قراءة واقعية لمسار التاريخ.

وتابع المتحدث: “منذ قضية رشيد بوجدرة وبوعلام صنصال، ومنذ “الربيع الأسود” الذي شهدته المنطقة في 2001، ظلت الحركة تؤكد أن الدعم الدولي لحق الشعب القبائلي في تقرير مصيره هو الرافعة الوحيدة القادرة على إحداث توازن حقيقي في مواجهة تعنّت النظام الجزائري.. واليوم، عبر هذا الملف، يتأكد أن فرنسا بصدد اختبار جدية هذا الخيار، وأنها باتت ترى في الاعتراف بحقوق القبائل مدخلاً لتصحيح علاقة مختلة مع الجزائر”.

ويرى زعيم القبايل، أن كل الإجراءات الأخرى سواء تعلق الأمر بمحاولات إصلاح شكلية أو وعود بمزيد من اللامركزية أو الاعتراف المحدود بالثقافة الأمازيغية، تبقى في نهاية المطاف أوراقا يمكن للنظام الجزائري أن يتحكم فيها بسهولة ويوظفها لامتصاص الغضب الشعبي دون أن يقدم أي تنازل جوهري، أما خيار تقرير المصير، فهو الوحيد الذي لا يستطيع النظام الالتفاف عليه، لأنه يعني إعادة تشكيل علاقة الدولة بسكان القبائل على أسس جديدة من الحرية والكرامة.

وشدد مهني على أن الرسالة التي يوجهها هذا الملف إلى المجتمع الدولي واضحة وهي أن القبائل ليست مجرد أقلية ثقافية داخل الجزائر، بل شعب كامل له تاريخ طويل في المقاومة والتمسك بهويته، وأن من حقه أن يقرر مستقبله بنفسه مضيفا: “إن ما نشرته لوبوان ليس نهاية المطاف، بل بداية مرحلة جديدة من الاعتراف الدولي، مرحلة ستجعل من صوت القبائل جزءا من النقاش العالمي حول حقوق الشعوب، مهما حاول النظام الجزائري التعتيم أو القمع”.

وردود الفعل الجزائرية الغاضبة، والتصريحات القبائلية التي تطالب بدور فرنسي مباشر، جعلت من الملف لحظة مفصلية في مسار طويل من التوترات، فالقبائل التي كانت دوما بؤرة مقاومة، منذ ثورات القرن التاسع عشر ضد الاستعمار، مرورًا بـ”الربيع الأمازيغي” في 1980 و”الربيع الأسود” في 2001، تجد نفسها اليوم من جديد في قلب مواجهة مع الدولة المركزية، لكن هذه المرة عبر ساحة إعلامية دولية فالعنوان الذي اختارته المجلة، “شعب صامد”، بدا وكأنه اعتراف بوجود كيان سياسي وثقافي قائم بذاته، وهو ما اعتبرته السلطة الجزائرية تهديدًا مباشرًا لأسس خطابها الوطني.

وفي فرنسا، الانقسام كان واضحا بين من رأى في الملف مجرد ممارسة طبيعية لحرية الصحافة، ومن اعتبره انحيازا سياسيا لمطلب الانفصال، فيما مواقع قبائلية مثل Kabyle.com رحبت من جهة بطرح القضية على صفحات مجلة كبرى، لكنها انتقدت من جهة أخرى طريقة المعالجة التي رأت فيها نزعة استشراقية تجاهلت أصوات القيادات القبائلية الحقيقية أما الصحافة الفرنسية الأخرى، فقد اكتفت بمتابعة الجدل من بعيد، معتبرة أن ما نشرته لوبوان كافٍ لإعادة إشعال ملف ظلّ مهمشا طيلة سنوات.



Source link

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة