الخطاب الرسمي للأغلبية يتصدّع.. وزراء وبرلمانيون من الأصالة والمعاصرة والاستقلال يعبّرون عن “معارضة من الداخل” في مواجهة غضب الشارع

admin7 أكتوبر 2025آخر تحديث :
الخطاب الرسمي للأغلبية يتصدّع.. وزراء وبرلمانيون من الأصالة والمعاصرة والاستقلال يعبّرون عن “معارضة من الداخل” في مواجهة غضب الشارع


بدا لافتا في خضم أزمة احتجاجات “جيل Z” التحوّل الواضح في خطاب بعض قيادات أحزاب الأغلبية الحكومية، والتي تحولت إلى ما يشبه المعارضة الداخلية، لا سيما تلك الصادرة عن قيادات حزب الاصالة والمعاصرة والاستقلال حيث أقرّت هذه القيادات بالتقصير في التواصل وحاجز الثقة مع المواطنين، وهو ما يطرح تساؤلا جوهريا حول دلالة هذا التباعد في المواقف. 

وإذ يُفسر البعض هذا التحوّل بكونه استراتيجية لاستباق الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، حيث يسعى كل مكون من مكونات الأغلبية إلى تمييز موقعه وتحسين صورته لدى الرأي العام، عبر تحميل جزء من المسؤولية إلى المكونات الأخرى، أو عبر إظهار “المصارحة” و”الشفافية” للشارع الغاضب، أملا في استعادة الثقة المفقودة، فان هذا التموضع الجديد يكشف عن هشاشة التماسك الحكومي في مواجهة الأزمات التي بدأت بوادرها مع ملفات أثارت نقاشا مجتمعيا سابقا كملف “الفراقشية” أو بخصوص الاحتجاجات الحالية لـ “جيل Z” التي أربكت الأغلبية ومعها صانعوا القرار .

شكّلت التصريحات الصادرة عن ثلاثة من أبرز وجوه حزب الأصالة والمعاصرة، أحد أعمدة التحالف الحكومي، منعطفا بارزا في الخطاب الرسمي للأغلبية، فقد خرجت فاطمة الزهراء المنصوري، عمدة مراكش ووزيرة إعداد التراب الوطني، بخطاب مباشر غير مسبوق خلال لقاء تواصلي مع شباب الحزب، معتبرة أن خروج الشباب إلى الشارع “تعبير مشروع عن الغضب”، ومقرّة في الآن ذاته بوجود تقصير واضح من عدد من المسؤولين في التواصل مع المواطنين.

ورغم نبرتها النقدية، شددت المنصوري على أن مغرب اليوم قطع أشواطا لا يمكن إنكارها، معتبرة أن من يتجاهل المنجزات “سيئ النية”، قبل أن تقدّم تشخيصا لقطاع الصحة، مؤكدة أن الخصاص الطبي يفوق 30 ألف طبيب، وأن حلّه يتطلب سنوات لا وعودا ظرفية، في ما يشبه دعوة إلى الواقعية السياسية.

كما حذّرت المنصوري من “اللوبيات ذات المصالح الضيقة” التي تحاول ـ حسب قولها ـ تشويه كل من يتمتع بالمصداقية، داعية إلى اللجوء للمؤسسات الرقابية بدل حملات الاتهام الشعبوية.

من جانبه، اختار محمد المهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل، أن يسلّط الضوء على البعد الاتصالي للأزمة، معترفا بأن الحكومة لم تنجح بعد في بناء قنوات فعالة للتواصل مع المواطنين، ومقرّا بأن هذا القصور قائم منذ عام 2022.

وفي حديثه لقناة ميدي 1، دعا بنسعيد إلى إطلاق منصة حوار مباشر مع الشباب، مؤكداً أن المسألة ليست في من يتصل بالآخر، بل في كيفية الإصغاء بصدق، في ما اعتُبر اعترافا رسميًا بندرة القنوات المؤسسية القادرة على مخاطبة الجيل الجديد بلغة قريبة منه.

أما نجوى كوكوس، النائبة البرلمانية ورئيسة المجلس الوطني لحزب الأصالة والمعاصرة، فقد ذهبت أبعد من زميليها، حين اتهمت بعض الإدارات العمومية باستغلال المرضى لمصالح ضيقة، وكشفت عن وثائق رسمية تتعلق بإدارة مستشفى ابن رشد بالدار البيضاء، واصفة المنظومة الصحية بأنها “منخورة بالفساد”.

كوكوس لم تتوقف عند هذا الحد، بل اعتبرت أن غياب التواصل الحكومي هو الخطأ الأكبر في المرحلة الراهنة، وأن هذا الغياب أدى إلى أزمة ثقة خطيرة بين المواطنين والمؤسسات، محذّرة من إضعاف البرلمان كوسيط سياسي بما يهدد بتحويل الشارع إلى المتنفّس الوحيد للاحتجاج.

وبين خطاب المنصوري الداعي للمصارحة، واعتراف بنسعيد بضعف التواصل، وهجوم كوكوس على الفساد، بدا حزب الأصالة والمعاصرة وكأنه يتبنّى موقفا نقديا من داخل الحكومة نفسها، في ما يصفه مراقبون بـ”المعارضة الداخلية” التي تعكس عمق القلق داخل الأغلبية من تداعيات أزمة الثقة المتنامية مع الشارع.

أثار نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال ووزير التجهيز والماء، نقاشًا واسعًا بعد ظهوره في برنامج “نكونو واضحين” على القناة الثانية، حين أكد أنه يشارك في اللقاء بصفته الحزبية وليس الحكومية، حيث أن هذا التمييز، الذي بدا في ظاهره محاولة للتوضيح، فُهم من قبل كثيرين على أنه شكل من أشكال التهرّب من المسؤولية التنفيذية في لحظة سياسية حرجة، حيث يواجه الشارع وضعًا اجتماعيا متأزمًا، وتتعرض الحكومة لانتقادات متزايدة بشأن غياب التواصل والنجاعة.

فبينما ينتظر الرأي العام من الوزراء أن يدافعوا عن السياسات العمومية التي يشرفون على تنفيذها، فضّل بركة التموضع في موقع الحزب المعارض داخل الحكومة، في مشهد يعكس الازدواجية الهيكلية التي تعاني منها أحزاب التحالف الثلاثي منذ تشكيل الحكومة.

فحزب الاستقلال، وإن ظل شريكًا في التدبير الحكومي، يسعى من خلال بعض إشارات قياداته إلى الحفاظ على مسافة انتخابية آمنة، تحميه من موجة الانتقادات الموجهة للحكومة، وتُبقي على رصيده كقوة سياسية ذات قاعدة اجتماعية واسعة.

وقد برّر مقربون من بركة، مثل القيادي مصطفى تاج، هذا التمايز باعتباره “شجاعة سياسية”، تتيح للأمين العام التعبير بحرية عن مواقف الحزب دون قيود التضامن الحكومي، لكن كثيرين اعتبروا الموقف انعكاسًا لأزمة بنيوية في العمل الحكومي الجماعي، إذ يصعب على وزراء ينتمون إلى أحزاب متنافسة انتخابيا أن يحافظوا على خطاب موحّد كلما اقتربت الاستحقاقات المقبلة.

ويٌعيد هذا التداخل بين الصفة الحزبية والصفة الحكومية ، طرح سؤال جوهري حول حدود المسؤولية السياسية في نظام انتخابي يقوم على تحالفات هجينة، خصوصا عندما تتحول الحكومة إلى ساحة تنافس داخلي مقنّع بين مكوّناتها، بدل أن تكون جبهة موحّدة أمام الشارع والرأي العام.



Source link

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة