أصدر مجلس قضاء الجزائر، أمس الثلاثاء، حكما جديدا في قضية وزير العدل الأسبق الطيب لوح، يقضي بتخفيض عقوبته إلى ثلاث سنوات سجنا، منها عامان نافذان وسنة موقوفة التنفيذ، على خلفية متابعته بتهم التصريح الكاذب بالممتلكات والثراء غير المشروع، في واحدة من أبرز القضايا التي طالت رموز العهد السابق.
الوزير الأسبق، الذي كان يُوصف بأنه “الرجل القوي في قطاع العدالة” خلال فترة حكم الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، أودع السجن المؤقت منذ صيف 2021 عقب سلسلة من التحقيقات التي أجراها ديوان قمع الفساد، والتي كشفت شبهات تتعلق بسوء استغلال الوظيفة، والتحريض على التزوير، وعرقلة سير العدالة.
وقد سبق أن صدر في حقه حكم بالحبس أربع سنوات في ملف سابق، قبل أن يُدان في قضية أخرى بسنتين نافذتين، حيث تقدم دفاع لوح، خلال جلسات المحاكمة الأخيرة، بملف يطعن في قانونية المتابعة، معتبرا أن القضية لا تدخل ضمن اختصاص القطب الجزائي الاقتصادي، كما أثار مسألة التقادم لأن الوقائع تعود إلى عام 2017 بينما تمت المتابعة في 2021.
وأنكر الطيب لوح من جهته جميع التهم المنسوبة إليه، مقدما توضيحات مفصلة حول ممتلكاته، من بينها عقار في حي “المذابح” بمنطقة اسطاوالي قال إنه اقتناه سنة 2018 بالتقسيط عبر ديوان الترقية، أي بعد سنة من التصريح بممتلكاته، إضافة إلى فيلا في دالي إبراهيم أوضح أنها مولت جزئيا من بيع عقار سابق ومن مدخرات عائلية.
ورغم الحكم الجديد، لا تزال المتابعات القضائية تلاحق الوزير الأسبق في ملفات أخرى، أبرزها قضية “عرقلة سير العدالة” التي كشفت الوثائق تورطه فيها رفقة المفتش العام السابق للوزارة ورجل الأعمال طارق كونيناف، والتي صدرت بشأنها أحكام بسنتين نافذتين، كما رفض القضاء الجزائري في 2023 طلب دفاعه بدمج الأحكام الصادرة بحقه، مما يجعله يواجه أحكاماً متعددة في أكثر من ملف.
ويُعتبر الطيب لوح من أكثر الشخصيات التي ارتبط اسمها بمرحلة ما قبل الحراك الشعبي، ليس فقط بسبب موقعه الحكومي، بل لكونه كان يشغل حقيبة العدل بين عامي 2013 و2019، أي في الفترة التي كان فيها الجهاز القضائي في قلب الجدل حول طبيعة استقلاليته وحدود خضوعه للسلطة التنفيذية.
وتندرج القضية ضمن حملة قضائية واسعة أطلقتها السلطات الجزائرية منذ 2019 ضد كبار المسؤولين ورجال الأعمال المقربين من النظام السابق، مثل أحمد أويحيى وعبد المالك سلال وعلي حداد، لكنها تكتسب خصوصيتها في كونها تطال المسؤول الأول عن العدالة في تلك المرحلة، أي الشخص الذي كان يُفترض أن يشرف على تطبيق القانون لا أن يكون موضوع ملاحقة قضائية بسببه.
وفي خلفية هذا الملف، تتجدد التساؤلات في الأوساط السياسية والحقوقية الجزائربة حول مدى استقلال القضاء في الجزائر، ومدى قدرة النظام الحالي على تجاوز ممارسات الماضي، فبينما تُقدَّم هذه المحاكمات رسميا على أنها تجسيد لإرادة الدولة في محاربة الفساد واستعادة هيبة القانون، يرى مراقبون ومعارضون أنها محاكمات انتقائية تُستخدم أحيانا لتصفية الحسابات السياسية وإعادة ترتيب موازين القوى داخل السلطة.
ويرى بعض النشطاء أن استمرار هذه القضايا بشكل متقطع يعكس صراعا.خفيا داخل مؤسسات الحكم أكثر مما يعكس مسارا حقيقيا للمساءلة، خاصة أن الطيب لوح نفسه يُنظر إليه باعتباره “صندوقاً أسود” يحمل أسرارا عن طريقة إدارة العدالة في عهد بوتفليقة، وعن شبكة المصالح التي كانت تتحكم في القرارات القضائية والسياسية على حد سواء.
ومع كل تطور في ملفه، يتجدد النقاش حول مسار العدالة الانتقالية في الجزائر، وحول ما إذا كانت البلاد قد دخلت فعلا مرحلة جديدة من الشفافية والمحاسبة، أم أنها لا تزال تُدار بنفس الآليات القديمة التي اتسمت بها مرحلة ما قبل الحراك.



