زنقة20ا الرباط
أكد محمد بنعليلو، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، أن الفساد في قطاع التأمينات لا يعد مسألة نظرية أو هامشية، بل يمثل مجالاً محفوفاً بـ«منظومة مخاطر متعددة الأبعاد» تتطلب معالجة شمولية ومنهجية.
وأوضح بنعليلو، خلال لقاء احتضنته الدار البيضاء حول موضوع «تقييم مخاطر الرشوة لتعزيز الشفافية في قطاع التأمينات»، نظمته كل من هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي والجامعة المغربية للتأمين ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، أن المخاطر المرتبطة بالفساد يمكن أن تتسلل في أي لحظة عبر ثغرات قانونية وتنظيمية، أو نتيجة ضعف آليات الحكامة داخل القطاع.
وأشار إلى أن الدراسة التي أنجزتها الهيئة أفضت إلى إعداد خارطة دقيقة لمخاطر الفساد في القطاع، رتبت حسب شدتها واحتمالية وقوعها، وتشمل تضارب المصالح واستغلال أموال الشركات والتلاعب في العقود والتقارير الفنية، إضافة إلى الغموض في شروط صرف التعويضات والممارسات المعقدة في إعادة التأمين التي قد تخفي انحرافات مالية يصعب رصدها.
وشدد المتحدث على أن الوقاية من الفساد تستدعي «فهماً منظومياً لا تجزيئياً»، يقوم على مبادرات مؤسسية بدل الاكتفاء بإجراءات شكلية، مبرزاً أن الخريطة المعدة ليست هدفاً بحد ذاتها، بل أداة لتوجيه السياسات الاستباقية الرامية إلى تعزيز النزاهة قبل وقوع الانحرافات، في تحول نوعي من منطق ردة الفعل إلى التحصين، ومن معالجة النتائج إلى تحليل الأسباب.
وأوضح بنعليلو أن الدراسة اعتمدت منهجية مزدوجة تمزج بين مقاربة مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة المتعلقة بالنزاهة، ومقاربة الميثاق العالمي للأمم المتحدة حول المخاطر في القطاع الخاص، ما جعلها أداة علمية دقيقة لتشخيص التحديات البنيوية التي يواجهها القطاع.
واعتبر رئيس الهيئة أن اللقاء يشكل محطة مؤسساتية لتجديد النقاش حول الشفافية والنزاهة في قطاع التأمينات، مؤكداً أن هذا القطاع الحيوي «يرتبط مباشرة بحماية الأفراد والمقاولات والمجتمع من المخاطر، وأن نزاهته تشكل ركيزة أساسية في بناء الثقة بالاقتصاد الوطني».
وأشاد بانخراط قطاع التأمين وهيئة الإشراف في هذه الدراسة، معتبراً ذلك «تعبيراً عن شجاعة مؤسساتية ووعي مرتفع بأهمية الشفافية كرأسمال للثقة والتحصين الذاتي».
كما دعا بنعليلو إلى تعزيز الإطار القانوني والتنظيمي للوقاية من الفساد، وتطوير الرقابة والإشراف، وتوظيف الذكاء الاصطناعي لرصد أنماط المطالبات المشبوهة، فضلاً عن تكثيف التكوين وبناء القدرات وإدراج بنود لمكافحة الفساد في العقود التأمينية.
واعتبر أن هذه الدراسة تمثل نموذجاً يحتذى به في مقاربة المخاطر القطاعية، داعياً إلى تعميم التجربة على قطاعات أخرى ذات أثر اقتصادي واجتماعي مباشر.
وختم بنعليلو بالتأكيد على أن مكافحة الفساد ليست شأناً قانونياً فحسب، بل خياراً استراتيجياً لبناء مناعة مؤسساتية واقتصادية، وفق المعايير الدولية وعلى رأسها المعيار ISO 37001 المتعلق بأنظمة إدارة مكافحة الفساد، الذي يجعل من النزاهة ثقافة مؤسسية قبل أن تكون التزاماً خارجياً.




