انتخابات 2026.. تمويل الدولة 75% من حملات الشباب المستقلين، هل هي خطوة لتجديد النخب السياسية أم تفخيخ صامت للمشهد الحزبي؟

admin28 أكتوبر 2025آخر تحديث :
انتخابات 2026.. تمويل الدولة 75% من حملات الشباب المستقلين، هل هي خطوة لتجديد النخب السياسية أم تفخيخ صامت للمشهد الحزبي؟


تتجه الحكومة نحو إدخال تعديل مثير للجدل على القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، يقضي بمنح الشباب دون سن الـ 35 الراغبين في خوض الانتخابات التشريعية المقبلة كمستقلين، إمكانية الاستفادة من تمويل عمومي يغطي 75 في المائة من مصاريف الحملة الانتخابية، في خطوة وُصفت بأنها تحمل في طيّاتها رهانات سياسية وشعبية متداخلة كما تثير في المقابل تساؤلات حادة حول مآلاتها على المشهد الحزبي والبرلماني المقبل.

وينص مشروع القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب الذي صادق عليه المجلس الوزاري، والمتعلق بشروط ترشيح الشباب الذين تقل أعمارهم عن 35 سنة في الانتخابات التشريعية المقبلة  في مادته الـ24 على أنه “يجوز للوائح الترشيح المقدمة برسم الدوائر الانتخابية المحلية من لدن مترشحين بدون انتماء حزبي، التي تتضمن مترشحين مرتبين بالتناوب بين الجنسين ولا يزيد عمر كل واحد منهم على 35 سنة في تاريخ الاقتراع، الاستفادة من دعم مالي عمومي يعادل خمسة وسبعين في المائة من المصاريف الانتخابية للائحة الترشيح بمناسبة حملتها الانتخابية”.

ورغم أن هذه الخطوة تُضفي نَفَسا تجديديا على المشهد السياسي وتُقدَّم كمدخل لتوسيع مشاركة الشباب في المؤسسات المنتخبة، إلا أنها في المقابل فتحت نقاشا واسعا حول كلفتها السياسية ومآلاتها المحتملة على توازن الخريطة الحزبية، إذ يحذر مراقبون وسياسيون أيضا من أن تشجيع المستقلين بهذا الشكل قد يتحول إلى سلاح ذي حدّين، يكرّس تشتّت البرلمان وتفكّك الكتل السياسية، ويُربك آليات صنع القرار داخل المؤسسة التشريعية، بما يضعف منسوب الانسجام داخل الأغلبية ويشوّش على أداء المعارضة.

كما لا يخلو هذا التوجه من إشكالات مالية وتنظيمية تتعلق بمصدر التمويل العمومي وآليات صرفه وضبطه، خصوصا في ظل تجارب سابقة أبانت عن صعوبات في تتبع نفقات الحملات الانتخابية وضمان شفافيتها.

ويُشار إلى أن القانون التنظيمي رقم 27.11 في صيغته الحالية يتيح أصلاً للمستقلين الترشح، لكنه يفرض مساطر دقيقة على اللوائح والتصريحات الفردية، ويُلزم المترشحين بتقديم وثائق محددة وفق مقتضيات الفقرة التاسعة من المادة 23، وهو ما يجعل التعديل الجديد بمثابة تيسير إضافي موجه لفئة الشباب بالأساس، مع تحفيز مالي غير مسبوق.

وفي تفصيل الشروط الجديدة، ألزم مشروع القانون المستقلين الشباب الراغبين في تقديم لوائحهم بجمع ما لا يقل عن 200 توقيع من الناخبين والناخبات المسجلين في الدائرة الانتخابية المعنية، على ألا تقل نسبة النساء ضمن هذه التوقيعات عن 30 في المائة في الدوائر المحلية، و50 في المائة في الدوائر الجهوية.

كما فرض أن تشمل التوقيعات ناخبين من جميع العمالات والأقاليم التابعة للجهة، بنسبة لا تقل عن 7 في المائة من مجموع التوقيعات المطلوبة في كل إقليم، مع احترام تمثيلية النساء.

ولمنع أي تلاعب أو تضارب في الدعم، نص المشروع على أنه لا يجوز لأي ناخب أو ناخبة التوقيع على أكثر من لائحة مستقلة واحدة، كما حدد السقف الأقصى للدعم العمومي في حدود 75 في المائة من مجموع نفقات الحملة الانتخابية المعتمدة بمقتضى مرسوم تنظيمي، يتولى تحديد كيفيات صرف المبلغ المقتطع من التمويل العام المخصص للحملات الانتخابية للأحزاب.

ولضمان الإنصاف، قرر المشروع منح هذا الدعم أيضا للوائح المقدَّمة بتزكية من الأحزاب السياسية أو تحالفاتها، شريطة استيفاء المعايير نفسها المتعلقة بالعمر وترتيب الجنسين بالتناوب، ما يجعل الإجراء موجَّهًا نظريًا نحو تمكين الشباب أكثر من كونه حصريًا للمستقلين.

كما تضمّن المشروع تبسيطا للإجراءات الإدارية عبر اعتماد منصة إلكترونية لإيداع الترشيحات، حيث يقوم المترشح بملء التصريح وإرفاق الوثائق المطلوبة إلكترونيا، مع الحصول على وصل مؤقت يحمل رقما ترتيبيا يحدد موعد إيداع الملف الورقي لدى السلطة المختصة، في خطوة تُراد بها الحد من الطعون الإجرائية وتعزيز الشفافية.

وبينما تُقدَّم هذه التعديلات كإشارة سياسية لاستعادة ثقة الشباب في المؤسسات المنتخبة، فإن الجدل الدائر حولها يعكس سؤالا أعمق هل تمويل المستقلين الشباب هو طريق لتجديد النخب السياسية أم مدخل لتفكيك الوساطة الحزبية التقليدية؟ وهو سؤال يضع الحكومة أمام اختبار التوفيق بين منطق الانفتاح ومقتضيات الاستقرار السياسي.

ويرى منعم لزرق أستاذ العلوم السياسية أن هذا التعديل الجديد الذي يمنح الشباب المستقلين دون 35 سنة تمويلا عموميا يصل إلى 75% من نفقات الحملة الانتخابية، يعكس تحوّلا في منطق التدبير السياسي، لكنه في الوقت ذاته يُخفي مخاطر بنيوية على التوازن الحزبي والمؤسسي في البلاد فالنظام الانتخابي المغربي.

كما يوضح لزرق بُني على فلسفة الوساطة الحزبية باعتبارها آلية لتنظيم الإرادة الشعبية وضمان الاستقرار التشريعي، وبالتالي فإن توسيع قاعدة المستقلين بهذا الشكل قد يفتح الباب أمام تشظٍّ تمثيلي غير مضبوط يُضعف الانسجام داخل البرلمان ويحوّل المؤسسة التشريعية إلى فضاء للمصالح الفردية أكثر منها للبرامج السياسية”.

وأضاف الخبير ذاته  في تصريح لـ “الصحيفة” أن “الرهان الحقيقي لا يكمن فقط في تشجيع الشباب على الترشح، بل في خلق شروط موضوعية لإدماجهم داخل المنظومة الحزبية نفسها وتطوير آليات تجديد النخب من الداخل، بدل إنتاج قنوات موازية قد تُضعف فكرة الانتماء والالتزام السياسي، وتُغذي لدى الجيل الجديد شعورا بأن الطريق إلى التمثيلية يمر عبر القطيعة مع الأحزاب لا عبر إصلاحها”.

وشدد المتحدث، على أن التمويل العمومي بهذه الصيغة يجب أن يُدار بمنطق الحَكامة والشفافية الصارمة لأن أي انزلاق في تتبعه أو استعماله قد يُحوّله إلى أداة استمالة انتخابية أو إلى ريع سياسي جديد، خصوصا في ظل تجارب سابقة أظهرت هشاشة الرقابة على مصاريف الحملات.

ومن هذا المنطلق، أورد الخبير أنه بدل ضخ المال في المبادرات الفردية من الأجدر الاستثمار في بناء الثقة داخل النسق الحزبي، لأن تآكل الوساطة الحزبية هو أخطر ما يمكن أن يهدد الاستقرار السياسي المغربي في المدى المتوسط.

ويُظهر الجدل المثار حول هذا التعديل أن النقاش يُلامس جوهر التحول الجاري في العلاقة بين الدولة، الأحزاب، والشباب، في مرحلة تتسم بتراجع الثقة وتآكل وسائط التأطير التقليدية فبين من يرى في الإجراء فرصة لتجديد النخب السياسية وضخ دماء جديدة في الحياة البرلمانية، ومن يعتبره مغامرة غير محسوبة قد تُضعف مؤسسات الوساطة وتزيد من منسوب الفردانية داخل المشهد السياسي، تظل النتيجة رهينة بمدى قدرة الحكومة على ضبط التنفيذ وإقناع الشباب بأن المشاركة ليست مجرد دعم مالي عابر بل مسار طويل نحو إعادة بناء الثقة في الفعل السياسي ذاته.



Source link

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة