الجزائر “نظام ريعي متحجر” يتعامل مع تونس كـ”ولاية فعلية” يرغبها ضعيفة وهشة ليستعملها كورقة ضعط إقليمية – الصحيفة

admin28 أكتوبر 2025آخر تحديث :
الجزائر “نظام ريعي متحجر” يتعامل مع تونس كـ”ولاية فعلية” يرغبها ضعيفة وهشة ليستعملها كورقة ضعط إقليمية – الصحيفة


حذّرت مجلة “ذا جيوبوليتيكس” المتخصصة في العلاقات الدولية من أن النزاع بين الجزائر والمغرب دخل مرحلة حساسة، وأي “تهدئة مؤقتة” تنويها إدارة ترامب بين البلدين ستظل هشة وسريعة الانهيار ما لم تُنزع أدوات التعطيل الإقليمي المرتبطة بالمنظومة الحاكمة في الجزائر.

وشدّدتتحليل المجلة على أن نظام الجزائر يقوم على “قومية معادية للمغرب” كركيزة شرعية داخلية، وهو ما يجعله حتى حين يغازل واشنطن بعروض تعاون مع “أفريكوم” وصفقات الطاقة قابلا للارتداد عن أي انفراج في أي لحظة. 

واعتبرت المجلة الناطقة بالانجليزية، أن الجزائر “تحكم قبضتها” على تونس وتتعامل معها كـ”ولاية فعلية” تُوظَّف كورقة ضغط لإضعاف الرباط، ومنع ترسيخ أي سلام مغاربي قابل للاستمرار، محذّرة من أن إبقاء تونس داخل هذا المدار سيُقوّض أي تقارب بين الجارين قبل أن يتصلّب في صورة سلام دائم، وأن كسر هذا النفوذ الجزائري ليس تفصيلا ثانويا، بل شرطا بنيويا لإطلاق هندسة إقليمية جديدة تُحوّل “السلام” بين الجزائر والمغرب من هدنة قابلة للانفجار إلى مسار مُعد بالازدهار، محوره تونس الحرة والمنفتحة والمستقلة عن منطق الإكراه.

التقرير الذي نشرته مجلة “ذا جيوبوليتيكس” المتخصصة في الشؤون الجيوسياسية والسياسات الدولية، عاد إلى تفكيك ملامح المستقبل القريب في منطقة المغرب العربي، مستحضرا السياق الذي أعقب ثورة الياسمين عام 2011 حين بدا أن المنطقة مُقبلة على عملية إعادة ضبط واسعة بما فيها انفتاح على الاستثمار الأجنبي، تحديث للاقتصادات الوطنية، وتنويع لقطاعات النمو، وبرمجة طموحة للاندماج ضمن سوق تنافسية مندمجة قادرة على تحقيق ازدهار مشترك عبر تسهيل التجارة والتنقل، حيث كانت تونس، آنذاك، النموذج الديمقراطي الذي يُفترض أن يشكّل رافعة لهذا التحول الإقليمي.

غير أن المجلة تشير إلى أن هذا “الوعد” الإقليمي أخذ يتلاشى بعد عقد من تلك اللحظة، فحسب التقرير الذي حمل عنوان “السلام المعدي والازدهار الاستراتيجي في شمال إفريقيا لماذا يبدأ من تونس؟”، يقف عند هذه الاخيرة اليوم أي عند “مفترق طرق خطير”، وسط إفلاس اقتصادي، وتراجع في منسوب الحريات السياسية، وتيه دبلوماسي متزايد.

 وتضيف أن التحول السلطوي للرئيس قيس سعيّد حرّف البوصلة التقليدية للدبلوماسية التونسية المعروفة تاريخيًا بالاعتدال والانفتاح على الغرب، ودفع البلاد إلى التقارب مع الجزائر على حساب حيادها التاريخي في قضية الصحراء من خلال دعمها لخيار الاستفتاء الذي تتبنّاه “البوليساريو” ومنحها بروتوكول “رئيس دولة” للقيادي إبراهيم غالي.

ويحذّر التقرير من أن هذا التحول “يقوّض الاستقلالية الاستراتيجية لتونس، ويضيّق خياراتها الاقتصادية، ويضعف هندسة السلام عبر الازدهار في المنطقة” في لحظة تحتاج فيها شمال أفريقيا إلى مزيد من الانفتاح والتكامل والإصلاح بدل الانكفاء.

وأبرز التقرير أن الولايات المتحدة، بعد نجاحها الدبلوماسي في وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس عبر ضغط عسكري ودبلوماسي متزامن، بدأت تُركّز بشكل استثنائي على النزاع بين الجزائر والمغرب.

وتنقل المجلة عن مصادرها أن واشنطن تُولي “اهتماما استثنائيا” لإنهاء الخلافات بين البلدين وبناء مستقبل مشترك قائم على السلام والازدهار غير أن المكاسب الأولى حتى في حال حصولها، لن تكون “تحوّلية” بل مؤقتة، في ظل نظام جزائري يربط شرعيته القومية بعداء تاريخي تجاه المغرب، ما يجعل أي تقارب “هشا وسهل الارتداد”.

وفي هذا السياق، تعتبر “ذا جيوبوليتيكس” أن إدخال تونس في المعادلة “ضرورة إستراتيجية” باعتبارها الركيزة الثالثة للاستقرار في شمال أفريقيا، وشدد تقرير المجلة على أن محور “تونس–الرباط” إذا تأسس على الانفتاح والإصلاح، يمكن أن يشكل العمود الفقري لشراكة مغاربية متجددة تعمل مع الولايات المتحدة ودول “اتفاقات أبراهام” لخلق “قوس جديد للتعاون” يربط الأمن بالتكنولوجيا والاستثمار وتدفقات رأس المال والابتكار.

ينقل التقرير عن ستيف ويتكوف، المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط، قوله إن واشنطن تهدف إلى “استعادة العلاقات بين الجزائر والمغرب خلال نحو شهرين”، والمضي قدما في ملف الصحراء الغربية، مضيفا أن “إنجاز صفقات السلام بات مُعديا” لكنه يربط هذا “العدوى الإيجابية” بشرط أساسي هو تجريد الجزائر من أي “وكلاء” إقليميين يمكن أن تستخدمهم لإفساد السلام، وفي مقدمتهم تونس بوضعها الحالي.

ويضيف التقرير أن “غياب ركيزة ثالثة” سيُبقي على خطر استخدام تونس كأداة ضغط لإفشال أي انفراج قبل أن يتحوّل إلى سلام حقيقي.

وتحاجج المجلة بأن تجربة “اتفاقات أبراهام” أثبتت أن السلام ينتشر عند ربطه بمشاريع اقتصادية تعود بالنفع المباشر على السكان وترى أن وضع تونس على مسار جديد يعيد استقلالية مؤسساتها، ويفتح أبوابها للاستثمار، ويعيد ربطها بالغرب، مما سيفتح الباب أمام إدماج التحديث المغربي داخل سلاسل التوريد الإقليمية، وإعادة الثقة في قدرة المنطقة على بناء شراكات اقتصادية.

وتضيف المجلة أن تونس “تمثل أكبر فرصة اقتصادية قصيرة المدى في شمال أفريقيا” بفضل سوقها الديناميكية مقارنة بجيران “ذوي أقدام من طين”، ما يجعلها منصة ذات مصداقية للاستثمارات الأميركية في الصحة والسياحة والطاقات المتجددة واللوجستيات والخدمات الرقمية.

كما يتوقع التقرير “تأثير عدوى اقتصادي مباشر” في ليبيا، الامتداد الطبيعي لتونس اقتصاديا، بما يعزّز الطلب المتبادل عبر الحدود ويعيد بناء سلاسل الإمداد ويدعم الاستقرار في الشرق.

تُحمِّل “ذا جيوبوليتيكس” النظام الجزائري مسؤولية السعي لتبعية تونس لدائرة نفوذه، معتبرة أنه “يتعامل معها كولاية فعلية” ويستخدم دعم قيس سعيّد لضمان بقائها داخل مداره، وتُصنّف الجزائر كـ”نظام ريعي متحجر” يقوم على اقتصاد الريع وشرعية قومية مناهضة للمغرب.

وبالتالي، فهي حسب التقرير “لديها مصلحة عميقة في إبقاء تونس ضعيفة وهشة وغير مستقرة اقتصاديا” لكي لا تتحول إلى نموذج إصلاحي يلقي بظلاله على الداخل الجزائري.

وتقول المجلة إن قيادة الجيش الجزائري حاولت، منذ 2011، “كبح” التجربة الديمقراطية التونسية وعرقلة الإصلاح الاقتصادي والانفتاح الخارجي، وإن أي دينامية دبلوماسية مغاربية تصاعدية “تزيد من ارتياب” الجزائر.

ويقول التقرير إن تونس اليوم “مستعدة لطي صفحة فصل مظلم” اتسم بالركود الاقتصادي، وعدم الاستقرار السياسي، وتراجع الحريات، وأمامها فرصة تاريخية لإعادة تشكيل مستقبلها واستعادة موقعها لاعبا مؤثرًا في الاقتصاد الإقليمي، كما يُبرز قطاع الصحة تحديدا كمسار استراتيجي يمكن أن يحوِّل تونس إلى مركز إقليمي للتميّز الطبي يشمل الرعاية والتدريب وسلاسل توريد الصناعات الحيوية.

ويتنبأ التقرير بإمكانية نجاح تونس في استقطاب استثمارات أميركية ضخمة إذا طورت نموذجًا مشابهًا لسنغافورة في القطاع الصحي، ما قد يمكّنها من اقتناص طلب عابر للحدود بقيمة تتراوح بين 50 و100 مليار دولار سنويا مستقبلا، غير أن التقرير يُحذر من تكرار أخطاء التحول السياسي السابق، داعيا تونس إلى “عبور المرحلة القادمة بحذر” لأن انزلاقات صغيرة يمكن أن تعيد إنتاج الأزمة.

وتدعو المجلة الولايات المتحدة إلى “عزل تونس” عن الضغط الجزائري، وإنهاء التبعية الجيوسياسية عبر تأمين حدودها مع الجزائر وليبيا بتقنيات مراقبة ذكية، وطائرات بدون طيار، ومعابر حديثة، وأنظمة قيادة وسيطرة مشتركة، ووحدات مكافحة تهريب، وتدريب استخباراتي يحترم السيادة.

وتقول إن ذلك”سيشكل بيئة تشغيل قابلة للتنبؤ وآمنة” للمشاريع الأميركية المدعومة من مؤسسات تمويل التنمية، ولشركات الخدمات والبنية التحتية الأميركية على الأرض.

وفي المحصلة، تقترح “ذا جيوبوليتيكس” معادلة جديدة لصياغة مستقبل شمال أفريقيا، تُخرج المنطقة من منطق إدارة الأزمات إلى هندسة الفرص، وتعيد تعريف أدوار الفاعلين الإقليميين وفق ميزان القوة الحقيقية ومنطق الجدوى الاقتصادية. 

فسلامٌ يُترك حبيس تقاطعات الجزائر والمغرب وحدهما في بيئة تُبنى فيها شرعية النظام الجزائري على قومية عدائية تجاه الرباط لن يتجاوز حدود هدنة قابلة للانفجار عند أول ارتجاج سياسي أو اجتماعي داخلي وعلى العكس، فإن تثبيت السلام داخل معمار اقتصادي–أمني جديد يمرّ عبر تونس، وفق منطق “الركيزة الثالثة” يعيد توزيع النفوذ، ويُنهي قابلية الجزائر لاستخدام الجارة الشرقية كورقة ابتزاز جيوسياسي لإضعاف المغرب وتعطيل مسارات الانفتاح والاندماج الإقليمي.

وترى المجلة أن تونس، إذا عبرت مرحلة الانتقال بحذر وعدّلت بوصلة انفتاحها، يمكن أن تتحول إلى “مفصل استراتيجي” يربط بين سلاسل التوريد المغاربية وعمق السوق المتوسطية والأفريقية، بما يُعيد الثقة في الفضاء الاقتصادي للمنطقة ويفتح الباب أمام استثمارات طبية، ولوجستية، ورقمية قادرة على خلق أثرٍ متعدّي الحدود ولتحصين هذا التحول، تقترح المجلة دعما أميركيا يدمج التكنولوجيا الحدودية، والتدريب السيادي، وحماية مشاريع الشركات الأميركية، بما يُنتج بيئة تشغيل مستقرة وقابلة للتمويل.

وبينما تتسارع التحولات في محيط الجزائر وتهب رياح الإصلاح من بوابة تونس المحتملة، يحذّر التقرير من أن الإبقاء على الوضع القائم يعني استمرار الانجراف التدريجي نحو هشاشة مزمنة وتوسّع موجات الغضب الاجتماعي، في تونس كما في الجزائر. ومع تزامن الضغوط الداخلية، تصبح احتمالات الانفجار المتوازي أخطر وأكثر عدوى من أي وقت مضى.

لذلك، تختم المجلة دعوتها بوضوح مطلوبٌ مسارٌ جديد لا تُقاس جدواه بالتصالح الظرفي ولا بالمصافحات البروتوكولية، بل بإرساء “سلام معدٍ” تنعكس آثاره في سلاسل القيمة الإقليمية، وفي فرص العمل، وفي ميل ميزان المصالح نحو الانفتاح بدل الارتهان. فمن دون تونس محرّرة من القبضة الجزائرية، سيظل السلام بين الجارين مغلقا على صورته المؤقتة؛ أما مع تونس إصلاحية منفتحة ومسنودة استراتيجيا فيمكن للشمال الأفريقي أن يفتح فصله المقبل فصلٌ يبدأ بالسلام، ويستمر بالازدهار، وينطلق — بحسب تعبير المجلة — من تونس أولا.



Source link

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة