تمثل مبادرة الحكم الذاتي المغربية، منذ طرحها سنة 2007، إطارا تفاوضيا متكاملا لحل قضية الصحراء، إذ تمنح سكان الأقاليم الجنوبية حكما ذاتيا موسعا تحت السيادة المغربية، يقوم على مؤسسات تشريعية وتنفيذية وقضائية محلية، مع ضمانات لحقوق الإنسان وصيغة واضحة لتقاسم الصلاحيات والموارد.
وقد تم تقديم هذه المبادرة إلى الأمم المتحدة كحل سياسي واقعي وقابل للتنفيذ، وهو ما كرسته قرارات مجلس الأمن المتعاقبة التي دعت إلى حل سياسي واقعي وعملي ودائم قائم على التوافق.
وتقوم مبادرة الحكم الذاتي على مقاربة واقعية تسعى إلى كسر حالة الجمود من خلال حل يجمع بين الاعتراف بالخصوصيات المحلية والحفاظ على وحدة الدولة وسيادتها، إذ تعتمد المبادرة على مؤسسات محلية منتخبة وصلاحيات موسعة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مع احتفاظ الدولة المركزية باختصاصات الدفاع والسياسة الخارجية والعملة.
وترتبط المبادرة بمسارات تنموية وحقوقية شاملة، من خلال برامج الجهوية المتقدمة ومشاريع البنية التحتية والاستثمار، بما يضمن سلاما إيجابيا ومستداما لا يقتصر على إنهاء النزاع بل يمتد إلى بناء تنمية محلية متوازنة.
وتتضمن المبادرة مؤسسات جهوية فاعلة، من بينها مجلس أو برلمان جهوي منتخب يتولى التشريع في القضايا المحلية كالتنمية والثقافة والتعليم والتخطيط، إضافة إلى حكومة أو سلطة تنفيذية جهوية مسؤولة أمام المجلس، وجهاز قضائي جهوي يندرج ضمن وحدة القضاء الوطني.
أما في ما يتعلق بتقاسم الصلاحيات، فتبقى الدولة المركزية مسؤولة عن الدفاع والعلاقات الخارجية والعملة والرموز السيادية، بينما تتولى الجهة إدارة الشأن المحلي في ميادين الاقتصاد، والضرائب الجهوية، والثقافة، والتهيئة العمرانية، والخدمات الاجتماعية.
وتولي المبادرة أهمية خاصة لصون المكون الحساني–الصحراوي باعتباره جزءا أصيلا من الهوية الوطنية، من خلال الحفاظ على التراث واللغة والعادات وإدماجها في السياسات العمومية الجهوية.
وتوفر المبادرة آليات للطعن الدستوري والقضائي، وتؤكد احترام المعايير الدولية لحقوق الإنسان، مع إخضاع المؤسسات الجهوية لرقابة هيئات وطنية ودستورية مستقلة.
ويقوم تمويل الجهة على موارد ذاتية من ضرائب ورسوم جهوية، إضافة إلى تحويلات من ميزانية الدولة وشراكات استثمارية، بما يضمن استقلالية مالية نسبية وتوازنا في توزيع الموارد.
وتستند المبادرة إلى المسار الأممي الهادف إلى التوصل لحل سياسي واقعي وعملي ودائم قائم على التوافق، إذ دأبت قرارات مجلس الأمن منذ عام 2007 على التأكيد على أهمية الواقعية والتوافق، والإشادة بجهود الأطراف، والدعوة إلى استمرار الموائد المستديرة بإشراف المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة.
وأظهرت التجارب أن خيار الاستفتاء التقليدي واجه صعوبات لوجستية وقانونية تتعلق بتحديد الهيئة الناخبة والقوائم والزمن، بينما يؤدي الإبقاء على الوضع القائم إلى تكريس الجمود وتأجيل التنمية والاندماج الإقليمي.
وفي المقابل، يقدم الحكم الذاتي الموسع صيغة مرنة وقابلة للتطبيق، توازن بين الحفاظ على السيادة الوطنية وتمكين الساكنة من تدبير شؤونها المحلية بحرية ومسؤولية.
وتتمثل التحديات الأساسية في تحويل النص إلى مؤسسات فعالة على أرض الواقع، من خلال تشريعات دقيقة، وبناء القدرات المحلية، وتعزيز الحكامة الرشيدة، كما تبرز الحاجة إلى مصالحة مجتمعية تضمن مشاركة فعلية للسكان والفاعلين المحليين، مع تمثيلية عادلة للشباب والنساء والمجتمع المدني.
وتظل التنمية والعدالة المجالية ركنا أساسيا لإنجاح التجربة، عبر مشاريع ملموسة في التشغيل والبنية التحتية والخدمات تتيح حصيلة سلام ملموسة وسريعة، كما أن استقرار المنطقة يظل رهيناً بدعم الجوار المغاربي وتفعيل مسارات الاندماج الاقتصادي الإقليمي.
في النهاية، تطرح مبادرة الحكم الذاتي المغربية مقاربة براغماتية تزاوج بين وحدة السيادة والاعتراف بالتعدد المحلي، وتربط الحل السياسي بترتيبات مؤسسية تمثيلية قادرة على ضمان الاستقرار والتنمية المستدامة.



