خلال 26 سنة من حكم الملك محمد السادس، شهد المغاربة حنكة عاهل البلاد في عدد من الأوراش التي غيرت وجه المغرب على عدد من المستويات، غير أن ذروة هذا المسار تجلت في الإنجازات المتميزة للدبلوماسية الملكية التي تكللت بقرار تاريخي صوت له مجلس الأمن.
القرار الذي تبناه مجلس الأمن بشأن الصحراء المغربية ليس حدثًا عابرًا، بل لحظة مفصلية تتويجًا لمسار طويل من الصبر وضبط النفس، قاده الملك محمد السادس برؤية ملكية استثنائية جعلت من الدفاع عن الوحدة الترابية قضية دولة ومبدأ سيادة، لا مجرد نزاع سياسي.
لقد أقرّ المجتمع الدولي، من خلال القرار رقم 2797، بأن مبادرة الحكم الذاتي ليست مجرد اقتراح تفاوضي، بل هي مرجعية أساسية وأفق نهائي للحل السياسي، داعيًا الأطراف إلى الانخراط في مفاوضات على أساسها دون شروط مسبقة، باعتبارها الحل الواقعي والقابل للتطبيق. ويأتي هذا القرار تتويجًا لجهود دبلوماسية متواصلة، تميزت بالحنكة والحزم، والتي نجحت في تحويل الموقف المغربي من موقع الدفاع والرد إلى موقع المبادرة وصناعة القرار.
منذ اعتلائه العرش، أعاد الملك محمد السادس صياغة مقاربة المغرب لقضية الصحراء على أسس جديدة: الحزم في المبادئ، والانفتاح في الوسائل، والاستباق في المبادرات. ومن خطاباته أمام المنتظم الدولي، إلى زياراته الميدانية المتكررة للأقاليم الجنوبية، وإلى جعل التنمية والبنية التحتية والتعليم والاستثمار ركائز أساسية للدفاع عن مغربية الصحراء، برهن الملك على أن الإدارة الحكيمة للنزاع تعني بناء مشروعية واقعية ومتجذرة في الأرض والإنسان.
هذه الرؤية أعطت أكلها من خلال اعترافات دولية متواترة بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، لاسيما من طرف القوى العظمى، وتجسدت ذروتها في القرار الأممي الأخير الذي كرس المبادرة المغربية للحكم الذاتي كحل سياسي وحيد للنزاع، مؤكدًا الشرعية التاريخية والمشروعية القانونية للمملكة، ومثبتًا جدوى النموذج التنموي في الأقاليم الجنوبية الذي جعلها عنوانًا للوحدة والازدهار.
هذا القرار كان مناسبة لإظهار متانة الجبهة الداخلية المغربية وتمسك المغاربة بالوحدة الوطنية، حيث عمّ الفرح مختلف المدن المغربية، من الكركرات والݣويرة إلى طنجة، في احتفالات شعبية رسمت صورة حية للارتباط بين الشعب وقيادته، وتعكس الإجماع الوطني على دعم الدبلوماسية الملكية والموقف المغربي الثابت.
وبالرغم من أنها لحظة الانتصار، إلا أن الخطاب الملكي ارتأى أن تكون أيضا مناسبة لتوجيه رسائل الأخوة والسلام إلى الأشقاء في تيندوف وكذا الجزائر للمضي نحو المستقبل وتجاوز عقود من الخصومة والعداء المجاني الذي يهدر فرص الازدهار.
وانتقى الملك كلمات الخطاب الذي وجهه بمناسبة القرار التاريخي لمجلس الأمن بعناية بالغة، دون إسراف في الفرح ولغة العنتريات التي يتقنها البعض، فشكر من يستحق الشكر ومد اليد إلى من يناصب المغرب العداء دون أن يستجدي أحدا، وهذا هو أسلوب الكبار في إدارة اللحظات التاريخية والمفصلية.
ما تحقق اليوم ليس نهاية المسار، بل بداية مرحلة جديدة عنوانها تحصين المكتسب الدبلوماسي، وبناء الأقاليم الجنوبية كقطب استقرار وازدهار، وفق رؤية ملكية متكاملة. ويؤكد القرار بعد نظر قائد المغرب الذي جعل المغرب نموذجا للسياسة الواقعية المفعمة بالحكمة والفعالية على الصعيد الدولي.
الدبلوماسية الملكية أرست الحكم الذاتي كمرجعية دولية، منذ طرح المقترح سنة 2007، وجعلت التنمية بالأقاليم الجنوبية السبيل الأساس لترسيخ الوحدة الترابية. من تنويع الشركاء إلى التغلغل في العمق الإفريقي ثم اختراق حصون الانفصال وعزل أطروحته دوليا، وصولا إلى دبلوماسية رابح-رابح التي توجت باعترافات تاريخية بالسيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية.
أخيرا، لم ننته بعد من معركة الوحدة الترابية، إلا أن الجميع يؤمن اليوم، بمن فيهم المشككين سابقا، بأننا نسير بالاتجاه الصحيح وبالأسلوب القويم الذي يتلاءم وسياق هذا العصر، ما يستدعي مواصلة الانخراط في هذا المسار لنزع شوكة الانفصال نهائيا من قدم البلاد ومواصلة مسار تنمية المغرب بجنوبه وشماله، شرقه وغربه، وليس ذلك بعزيز على الطموح المغربي.



