يواصل مشروع قانون المالية لسنة 2026 إثارة الجدل داخل المؤسسة التشريعية، بعدما اعتبرته مكونات من المعارضة استمرارا في نفس التوجهات النيوليبرالية التي حوّلت الدولة، في نظرها، إلى “مقاول كبير” يوازن الأرقام ويغفل جوهر العدالة الاجتماعية.
فبينما تراهن الحكومة على مشروعها المالي باعتباره أداة لتحقيق التوازن بين الاستقرار الاقتصادي ومتطلبات الدولة الاجتماعية، ترى المعارضة أن الأرقام المعلنة تُخفي اختلالات عميقة في توزيع الثروة وتكريسًا لمنطق الريع واللاعدالة الجبائية والمجالية.
وفي هذا السياق، انتقدت فاطمة التامني، النائبة البرلمانية عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، التوجه العام للمشروع، معتبرة أنه “لا يُجسّد الإرادة المعلنة لبناء دولة اجتماعية”، بل يواصل نفس النهج الذي يُحمّل الفئات الشعبية كلفة الأزمة، بينما يحصّن مصالح اللوبيات الاقتصادية.
وأوضحت التامني في تصريح خصت به “الصحيفة” أن أكثر من 80 في المائة من موارد الميزانية تأتي من الضرائب غير المباشرة التي يتحمّلها المواطن البسيط، في حين تغيب الضرائب التصاعدية على الثروة أو الأرباح الكبرى، ما يجعل النظام الجبائي المغربي “بعيدًا عن أي منطق إنصاف اجتماعي”.
وأضافت أن الاستثمار العمومي المعلن، والذي يناهز 380 مليار درهم، يوجَّه أساسًا إلى المشاريع الكبرى التي لا تُحدث الأثر الاجتماعي المطلوب، في ظل غياب رؤية توازن جهوي حقيقية، مبرزة أن هذا التوجه يعمّق الفوارق بدل أن يخفّفها.
وانتقدت التامني في التصريح ذاته كذلك المادة المتعلقة بتفويض الاقتراض الداخلي والخارجي، معتبرة أنها “تُضعف الرقابة البرلمانية والشعبية على المال العام”، وتعمّق تبعية القرار المالي للخارج.
ودعت النائبة البرلمانية إلى مراجعة جذرية للمشروع المالي، تقوم على إصلاح جبائي تصاعدي ومنصف، وفرض ضريبة على الثروة، مع إخضاع الدين العمومي للمساءلة والمراقبة، مشددة على أن العدالة الاجتماعية يجب أن تكون أساس التوازن المالي، لا نتيجته.
يُذكر أن مجلس النواب يواصل مناقشة مشروع قانون المالية للسنة المقبلة، حيث أكدت فرق الأغلبية أنه يجسّد إرادة الحكومة في مواصلة المسار التنموي وتحقيق توازن بين الواقعية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، فيما اعتبرت المعارضة أنه يفتقر إلى الجرأة ولا يستجيب بالشكل الكافي لتطلعات المواطنين، داعية إلى إدراج إجراءات أكثر فعالية لمواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية الراهنة.



