الطريق إلى الزويرات بلا وجهة.. كيف أخفقت الجزائر في تحويل معبر تندوف إلى بوابة اقتصادية نحو موريتانيا وغرب إفريقيا؟

admin13 يوليو 2025آخر تحديث :
الطريق إلى الزويرات بلا وجهة.. كيف أخفقت الجزائر في تحويل معبر تندوف إلى بوابة اقتصادية نحو موريتانيا وغرب إفريقيا؟


رغم كل الشعارات التي رفعتها الجزائر في السنوات الأخيرة بشأن اختراق الأسواق الإفريقية وبناء نفوذ اقتصادي يمتد نحو الساحل وغرب إفريقيا، تكشف الوقائع الميدانية أن هذا الطموح لا يزال بعيدا عن التحقق، وأن ما تم تقديمه كخطة استراتيجية لتوسيع الحضور الجزائري في موريتانيا لم يتجاوز بعد حدود الرمزية، دون أن ينعكس على مستوى المبادلات التجارية أو حضور المقاولات الجزائرية على الأرض.

ولم يثمر الرهان الكبير، الذي وُضع على الطريق الرابط بين تندوف الجزائرية والزويرات الموريتانية، والممتد على سبعمئة كيلومتر، إلا القليل من النتائج الفعلية، إذ ظل المعبر الحدودي شبه معطل، بينما تبدو الدولة الجزائرية غائبة عن أي تنسيق لوجستي من شأنه أن يسهل اندماج القطاع الخاص في هذا المحور الحيوي.

الصورة تبدو أكثر قتامة حين نقرأ شهادات الفاعلين الاقتصاديين الجزائريين أنفسهم، الذين وجهوا مراسلات رسمية إلى وزارة التجارة الخارجية يشتكون فيها من تراكم الصعوبات في السوق الموريتانية، ومن غياب مواكبة دبلوماسية فعالة تدافع عن مصالحهم وتذلل العقبات أمامهم، شركات مثل Taste Paradise وMarin Fish وBouchegouf Guelma، والتي تمثل نماذج من الفاعلين الراغبين في الانفتاح على الأسواق الإفريقية، وجدت نفسها محاصرة بين عراقيل إدارية مستمرة ومناخ استثماري تفتقر الجزائر إلى مفاتيحه الأساسية، مما جعل المبادرة الجزائرية برمتها تبدو أقرب إلى محاولة فاشلة أو مبادرة وُلدت ميتة قبل أن تنطلق فعليًا.

ورغم أن الجزائر كانت تأمل أن تتحول هذه المبادرة إلى رافعة للاندماج الإقليمي ونقطة ارتكاز لبسط نفوذها في الساحل، فإن المؤشرات الحالية تدل على أن الاستراتيجية كانت تفتقر منذ البداية إلى الرؤية بعيدة المدى، وإلى فهم عميق للواقع الاقتصادي والسياسي في موريتانيا، فرغم وجود بعض البنيات التحتية، فإنها لم تُستثمر بشكل فعلي، وافتقرت إلى استراتيجيات مصاحبة تجعل منها جسورًا حقيقية للتبادل وليس مجرد إنجازات معزولة.

في المقابل، يواصل المغرب توسيع حضوره في موريتانيا بشكل هادئ ومدروس، مستفيدا من عقود من العلاقات التجارية المستقرة وشبكات الشركات المغربية الراسخة في السوق الموريتانية، ومن فهم دقيق لطبيعة الاقتصاد المحلي وشبكات التوزيع ونقاط التأثير، وهو ما يمنح الرباط الأفضلية الواضحة في ما يشبه سباقا على النفوذ الاقتصادي في نواكشوط، تحاول الجزائر خوضه متأخرة، وبأدوات لا تناسب واقع المنافسة الإقليمية.

المعضلة الأساسية التي تواجهها الجزائر في هذا السياق تتعلق بنموذجها الاقتصادي نفسه، الذي لا يزال قائمًا على تدخل الدولة والمبادرات العمومية الثقيلة، دون الانفتاح الحقيقي على آليات الشراكة مع القطاع الخاص أو استيعاب منطق الليونة والفاعلية الذي يحكم الأسواق المفتوحة، فبينما تراهن الرباط على شراكات ديناميكية تجمع بين القطاعين العام والخاص، وتستثمر في العلاقات الدبلوماسية الاقتصادية النشيطة، لا تزال الجزائر تراهن على إدارة بيروقراطية متصلبة وغير متكيفة مع متطلبات التوسع في الأسواق الخارجية، خصوصا حين تكون هذه الأسواق ذات تركيبة سياسية واقتصادية حساسة كما هو الحال في موريتانيا.

وتجد الشركات الجزائرية نفسها اليوم في وضع غير مريح، حيث تفتقر للدعم المؤسسي الفعّال، وتواجه بيئة خارجية لا تعرفها جيدا، وتنتظر تدخلا سياسيا يعيد الاعتبار للملف الاقتصادي، من دون أن تلوح في الأفق مؤشرات على وجود آليات تنفيذية قوية قادرة على إحداث الفارق، فضعف شبكات النفوذ المحلية، وغياب مبادرات دبلوماسية واقتصادية ملموسة، جعلا من الوجود الجزائري في موريتانيا مجرد صدى لصوت لم يصل بعد.

الرهان الجزائري المتأخر على السوق الموريتانية، دون امتلاك مفاتيح البيئة التجارية المحلية، ودون استثمار في العلاقات التراكمية والميدانية، يهدد بإجهاض مشروع التوسع نحو غرب إفريقيا برمته، وهو المشروع الذي ظل، نظريا، عنوانا طموحا في الرؤية الجيوسياسية الجزائرية، لكنه اصطدم بالواقع الميداني الذي لا يرحم ضعف الاستراتيجيات ولا يغفر التأخر في التموقع.

في الجهة المقابلة، تواصل نواكشوط سياساتها المتعددة الشراكات، حريصة على تنويع شركائها، لكنها في الآن ذاته لا تخفي ثقتها في الرباط كشريك اقتصادي موثوق ومتجذر، يمتلك ما يكفي من الخبرة والتأثير والمؤسسات الحاضنة لتأمين علاقات اقتصادية مستقرة، وهو ما يجعل المبادرة الجزائرية، في شكلها الحالي، تبدو عاجزة عن تعديل ميزان القوة في موريتانيا، بل وتؤكد من جديد أن الفاعلية الاقتصادية في إفريقيا لا تُبنى بالشعارات ولا بالبنيات التحتية المعزولة، بل بالتخطيط العميق، والمعرفة الدقيقة بالسياقات المحلية، واستثمار الثقة المتبادلة التي تُبنى بالتراكم لا بالاندفاع المؤقت.



Source link

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة