اعتبر أحمد بوز، أستاذ القانون الدستوري وعلم السياسة بكلية الحقوق، أن المسار الذي ستتخذه المفاوضات التي دعا إليها قرار مجلس الأمن رقم 2797 لا يزال غير واضح، مشيرا إلى أن جبهة البوليساريو سارعت منذ صدور القرار إلى الإعلان عن رفضها المشاركة في أي عملية سياسية تقوم على مقترحات لا تحترم ما تسميه “حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره”.
ولاحظ المحلل السياسي أن تجاوز هذا الموقف سيتطلب مفاوضات شاقة وضغوطا دبلوماسية مكثفة، وربما لن يتحقق إلا في إطار تفاهم سياسي أشمل مع الجزائر التي تظل الطرف الحقيقي المؤثر في مواقف الجبهة وتوجهاتها.
وبيّن بوز أن المتغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة قد تدفع نحو بلورة مقاربة أممية جديدة أكثر انسجاما مع الرؤية الأمريكية، بما يجعل مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية الخيار الوحيد القابل للتطبيق عمليا.
وأشار إلى أن قرار مجلس الأمن يشكل منعطفا مهما في مسار قضية الصحراء المغربية، إذ يمثل اعترافا دوليا ضمنيا بجدية وواقعية الطرح المغربي، وتكريسا لسنوات من العمل الدبلوماسي المتواصل الذي اعتمدته المملكة في مختلف المحافل الإقليمية والدولية.
وشدد على أن أهمية القرار لا تنحصر في تعزيز الموقف السياسي والدبلوماسي للمغرب، بل تتعداه إلى فتح مرحلة جديدة أكثر حساسية ودقة، موضحا أن المغرب الذي ظل لعقود يخوض معركة سياسية وقانونية دفاعا عن وحدته الترابية، يجد نفسه اليوم أمام تحديات داخلية لا تقل أهمية عن المعركة الخارجية.
وأبرز أستاذ القانون الدستوري وعلم السياسة أن المسار الذي قد يفضي إلى تبني الحكم الذاتي سينقل القضية من مرحلة الدفاع إلى مرحلة البناء، أي من الدفاع عن الموقف المغربي في المنتظم الدولي إلى بناء النموذج على أرض الواقع.
وفي هذا السياق، أورد بوز في مقال رأي تحليلي نشره على صفحته بمنصة “فيسبوك” أن أول التحديات يرتبط بالبعد الإنساني والاجتماعي، المتعلق بعودة آلاف المغاربة الذين ولدوا في مخيمات تندوف، وتربوا في بيئة مشبعة بخطاب العداء للمغرب.
وأوضح أن هؤلاء يمثلون جيلا كاملا لم يعرف من الوطن سوى ما يروى له من طرف جبهة البوليساريو، مما يجعل إقناعهم بالعودة تحديا إنسانيا ونفسيا وثقافيا قبل أن يكون سياسيا.
واعتبر أن المغرب سيحتاج إلى برامج خاصة للإدماج الاجتماعي والتربوي، ومبادرات رمزية وميدانية تجعل العودة إلى الوطن فعل انتماء حقيقي لا مجرد تسوية سياسية.
وأضاف بوز أن التحدي الثاني يرتبط بالشق الأمني والعسكري، بالنظر إلى أن جزءا من العائدين المحتملين ينتمي إلى فصائل مسلحة داخل جبهة البوليساريو، تملك خبرة قتالية وعلاقات عابرة للحدود.
وتساءل عن كيفية التعامل مع آلاف المقاتلين السابقين الذين يحملون ذاكرة الحرب وسلاحها في آن واحد، متسائلا ما إذا كان سيتم إدماجهم ضمن أجهزة الأمن والدفاع المغربية كما حدث في تجارب المصالحة الوطنية في دول أخرى، أم سيتم تسريحهم ضمن برامج نزع السلاح وإعادة الإدماج.
ولاحظ أن تفعيل الحكم الذاتي سيضع المغرب أمام معادلة دقيقة بين الحفاظ على الأمن الوطني وضمان العدالة الانتقالية والكرامة لهؤلاء العائدين.
وفي تحليله للتحدي الثالث، أوضح بوز أنه سياسي بالأساس ويتعلق بسؤال القيادة، “أي من سيقود الحكم الذاتي؟ هل هم الصحراويون الموالون للمغرب الذين شاركوا في تدبير الشأن المحلي، أم أولئك الذين ظلوا في المخيمات يطالبون بتقرير المصير؟”.
وبيّن أن التوفيق بين الفئتين يمثل معضلة حقيقية، لأن الأولى تمتلك شرعية الفعل والانتماء الواقعي، في حين تزعم الثانية امتلاك الشرعية الرمزية والنضالية، محذرا من أن أي إقصاء لإحداهما قد يهدد توازن التجربة ويؤثر على المصالحة الوطنية.
كما رأى بوز أن التحدي الرابع يرتبط بشبكة المصالح التي تكونت حول قضية الصحراء داخل المغرب وخارجه، والتي استثمرت الملف سياسيا واقتصاديا على مدى سنوات.
وأوضح أن منظومة من الفاعلين راكمت امتيازات مرتبطة بالوضع الخاص للمنطقة من خلال مشاريع التنمية الموجهة والصفقات العمومية، مبرزا أن انتقال الملف إلى مرحلة الحكم الذاتي قد يهدد هذه المصالح.
ولفت إلى أن التحدي يكمن في كيفية الانتقال من اقتصاد الريع السياسي إلى اقتصاد التنمية المستدامة، ومن منطق الولاءات إلى منطق الكفاءة والمساءلة.
وأكد أن التحدي الخامس يرتبط بطبيعة الوضع الخاص الذي عرفته الأقاليم الجنوبية، حيث استفادت من تحفيزات وامتيازات في الاستثمار والتشغيل والبنية التحتية، معتبرا أن هذا الوضع رغم أهميته أفرز تفاوتات بين الجهات وأثار نقاشا حول العدالة المجالية.
ودعا إلى مراجعة تدريجية ومدروسة لهذه الوضعية في اتجاه ترسيخ مبدأ التكامل الاقتصادي والإنصاف المجالي بين مختلف جهات المملكة.
ونبّه بوز إلى أن هناك تحديا آخر يتعلق ببناء مؤسسات الحكم الذاتي ذاتها، معتبرا أن التجربة ستكون سابقة في التاريخ المغربي الحديث وستتطلب صياغة مؤسسات قادرة على ممارسة سلطات حقيقية في إطار الوحدة الوطنية.
وطرح تساؤلات حول طبيعة البرلمان الجهوي والحكومة المحلية وحدود سلطاتها أمام الدولة المركزية، وكيفية ضمان تمثيلية عادلة لمكونات المجتمع الصحراوي ضمنها، مؤكدا أن هذه الأسئلة ذات طابع دستوري وسياسي وتتطلب توافقا وطنيا واسعا لضمان نجاح التجربة واستقرارها.
وأشار إلى أن مقترح الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب سنة 2007 تضمن الخطوط العريضة دون الدخول في التفاصيل الدقيقة، لكن بعد قرار مجلس الأمن الأخير أصبح المطلوب الانتقال من الصيغة التفاوضية إلى الصيغة الدستورية والمؤسساتية، أي بلورة تصور عملي متكامل حول تنظيم السلطات المحلية والعلاقة مع الدولة وآليات الضمان والمراقبة والمساءلة.
وخلص بوز إلى أن قرار مجلس الأمن لم ينهِ قضية الصحراء بل أعاد إطلاقها من زاوية جديدة، موضحا أن المعركة لم تعد دبلوماسية فحسب بل أصبحت معركة بناء سياسي واجتماعي واقتصادي داخل المغرب.
ورأى أن تفعيل الحكم الذاتي ليس نهاية الصراع بل بداية مشروع دولة جديد في الجنوب، يحتاج إلى شجاعة سياسية وإبداع مؤسساتي وحكمة في تدبير الانتقال، مؤكدا أن المغرب الذي كسب ثقة المجتمع الدولي عليه اليوم أن يكسب ثقة أبنائه، وأن يجعل من الحكم الذاتي نموذجا للاندماج لا مشروعا للمحاصصة، لأن معركة الصحراء في جوهرها هي معركة ديمقراطية.


