من حكم العدل الأوروبية إلى قرار مجلس الأمن.. الاتحاد الأوروبي يفتح باب التفاوض مع المغرب لتجديد اتفاقية الصيد البحري تشمل مياه الصحراء

admin12 نوفمبر 2025آخر تحديث :
من حكم العدل الأوروبية إلى قرار مجلس الأمن.. الاتحاد الأوروبي يفتح باب التفاوض مع المغرب لتجديد اتفاقية الصيد البحري تشمل مياه الصحراء


يبدو أن إعلان المفوضية الأوروبية، أمس الثلاثاء، موافقتها على مقترح إطلاق مفاوضات جديدة مع المغرب لتجديد اتفاقية الصيد البحري، لم يكن حدثا تقنيا عاديا بقدر ما يعكس تحوّلا في الرؤية الأوروبية تجاه شريكها الجنوبي، في لحظة سياسية ودبلوماسية حساسة، أعقبت قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2797، الذي اعتبر مقترح الحكم الذاتي المغربي الأساس الواقعي والعملي لتسوية نزاع الصحراء.

فما كان إلى وقت قريب ملفا تقنيا خاضعا لتوازنات قانونية داخل محاكم الاتحاد الأوروبي، أصبح اليوم مؤشرا سياسيا بالغ الدلالة، يعكس عودة الوعي الأوروبي بأهمية الشراكة الاستراتيجية مع المغرب، وضرورة مقاربة العلاقة وفق منطق المصالح المتبادلة، بعيدا عن الضغوط والمزايدات التي حاولت أطراف معادية للمغرب توظيفها في ملف الصحراء.

كوستاس كاديس، المفوض الأوروبي لشؤون الصيد والمحيطات، أوضح خلال عرضه أمام اللجان البرلمانية المشتركة لمجلسي النواب والشيوخ الإسبانيين أن المقترح سيُعرض على حكومات الدول الأعضاء السبع والعشرين بهدف بدء المفاوضات الرسمية مع الرباط، مؤكدا أن هذه الخطوة تمثل تطوراً بالغ الأهمية في العلاقات الأوروبية – المغربية، وهي تصريحات تعكس في جوهرها قناعة متنامية داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي بأن تجاوز الجمود في ملف الصيد البحري يمر عبر ترسيخ التعامل الواقعي مع المغرب في شمولية أقاليمه، بما فيها الجنوبية.

ويُدرك صانع القرار الأوروبي أن الحكم الذاتي الذي أكد مجلس الأمن واقعيته، لا يُعد فقط تصورا مغربيا لحل النزاع، بل تحول إلى مرجعية دولية متزايدة الدعم، ما يجعل أي تعامل اقتصادي أو تجاري مع المملكة خاضعاً لاعتبارات سيادية واضحة، لم يعد الاتحاد الأوروبي في موقع يسمح له بتجاهلها أو الطعن فيها. 

ومن هذا المنطلق، فإن التفويض الجديد للمفوضية الأوروبية لبدء المفاوضات مع الرباط ليس ربما سوى ترجمة عملية لتغيّر المزاج السياسي داخل الاتحاد تجاه الملف، وتجاوز مرحلة الحذر التي أعقبت أحكام محكمة العدل الأوروبية بشأن الاتفاقين الفلاحي والبحري.

في هذا السياق، لا يمكن فصل البيئة السياسية التي جاءت فيها هذه الخطوة، عن المسار المتجدد للعلاقات المغربية-الأوروبية خلال الأشهر الأخيرة، والتي شهدت مؤشرات واضحة على إعادة بناء الثقة بعد توقيع اتفاق تبادل الرسائل المعدلة للاتفاق الفلاحي بين الجانبين في أكتوبر الماضي ببروكسيل، في إجراء عكس حرص الطرفين على تثبيت أسس شراكة متوازنة تحترم سيادة المغرب ووحدته الترابية، وتمنح المنتجات القادمة من الأقاليم الجنوبية نفس الامتيازات التفضيلية التي تستفيد منها باقي مناطق المملكة.

العودة إلى طاولة المفاوضات في ملف الصيد البحري تعني عمليا أن الاتحاد الأوروبي اختار التعامل مع المغرب كشريك موثوق، لا كطرف محل نزاع، فالمفوضية الأوروبية، التي تمثل الجهاز التنفيذي للاتحاد والمسؤولة عن تنفيذ اختياراته السياسية الكبرى، تدرك تماما أن مصالح أوروبا البحرية والطاقية والأمنية في جنوب المتوسط تمر عبر المغرب، وأن أي محاولة لتهميش هذا الشريك أو التعامل معه بانتقائية ستكون مكلفة على المستويات كافة.

والدول الأوروبية الأكثر استفادة من تجديد الاتفاق، وفي مقدمتها إسبانيا، تجد نفسها في مقدمة الداعمين لهذا المسار. فأساطيل الأندلس وغاليسيا وجزر الكناري كانت أكبر المستفيدين من البروتوكولات السابقة، التي منحت تراخيص لصيد 138 سفينة أوروبية، بينها 92 إسبانية، حيث أن مدريد تنظر إلى المفاوضات الجديدة كفرصة لترسيخ المصالح المشتركة، وتأكيد المكانة الاستراتيجية للعلاقة الثنائية داخل الإطار الأوروبي الأوسع.

ويدرك الاتحاد الأوروبي أن الحفاظ على توازناته الداخلية يقتضي التوفيق بين متطلبات الشرعية القانونية وحاجات الأمن الطاقي والغذائي، خاصة في ظل الاضطرابات الجيوسياسية الراهنة في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود، ولذلك، فإن تجديد اتفاقية الصيد البحري مع المغرب لا يمثل فقط ضرورة اقتصادية، بل أيضا ركيزة لاستقرار المنطقة وتعزيز الأمن البحري ومكافحة الهجرة غير النظامية.

واللافت أيضا، أن خطوة المفوضية الأوروبية اليوم، تبدو جزءا من إعادة التموضع الأوروبي تجاه المغرب، بعد سنوات من الارتباك في الموقف القانوني والسياسي من الصحراء، وهي خطوة تُقرأ على أنها إقرار غير مباشر بوجاهة المقاربة المغربية (الحكم الذاتي) القائمة على الواقعية والنجاعة، في وقت باتت فيه مؤسسات الاتحاد تدرك أن تجاوز الخلافات القانونية يستوجب انسجاما سياسيا كاملا مع القرارات الأممية ومع روح الشراكة الاستراتيجية التي تربط الطرفين.



Source link

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة