فتح الأجواء والصيد البحري والمحروقات والحياد في حرب أوكرانيا.. أسرار نجاح المغرب في إبعاد “الفيتو” الروسي عن مقترح الحكم الذاتي في الصحراء

admin14 نوفمبر 2025آخر تحديث :
فتح الأجواء والصيد البحري والمحروقات والحياد في حرب أوكرانيا.. أسرار نجاح المغرب في إبعاد “الفيتو” الروسي عن مقترح الحكم الذاتي في الصحراء


اعتمد مجلس الأمن الدولي مؤخرا القرار رقم 2797 حول الصحراء، دون أن تستخدم روسيا حق النقض “الفيتو” ضده، ولا سيما أن ذلك كان هو الهاجس الأكبر بالنسبة للرباط حسب التصريح الأخير لوزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، وهو ما جعل القرار الذي يدعو إلى التفاوض لحل نزاع الصحراء بناء على مقترح الحكم الذاتي المغربي يمر دون أي مشاكل.

هذا الموقف الروسي المتوازن، الذي يخدم مصلحة المغرب، لم يكن وليد الصدفة حسب ما يعتقد الكثير من الخبراء في العلاقات الدولية، بل جاء نتيجة مسار دبلوماسي متدرج ومركب حافظ فيه المغرب على علاقات قوية مع موسكو رغم التحولات الجيوسياسية العالمية.

ففي الوقت الذي انخرطت فيه دول عديدة في سياسات الاصطفاف خلال الحرب الأوكرانية، اختار المغرب نهج الحياد الإيجابي، مركزا على أولوياته الوطنية والإقليمية، دون أن ينخرط في مواجهة مع روسيا أو الغرب، وهو ما مكّن الرباط من الحفاظ على قنوات التواصل مفتوحة مع موسكو في ملفات متعددة.

ويبدو أن هذا التوازن، الذي برز في إدارة المغرب لعلاقاته مع القوى الكبرى، أثمر نتائج ملموسة في جلسة مجلس الأمن الأخيرة، حين فضلت روسيا عدم الاعتراض على القرار الأممي الذي جدد دعم المسار السياسي تحت إشراف الأمم المتحدة، مع تثبيت التفاوض على مبادرة الحكم الذاتي المغربية.

منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، تبنى المغرب موقفا محايدا وهو ما نال إشادة متكررة من المسؤولين الروس، من بينهم السفير الروسي في الرباط فلاديمير بايباكوف، الذي قال إن الموقف المغربي بشأن الحرب الروسية الأوكرانية “مُتزن”، وأشار إلى أن موسكو “تقدر عاليا” هذا الأمر، وذلك وفق ما نقلته على لسانه وكالة الأنباء الحكومية “تاس” السنة الماضية.

كما تجسد هذا الحياد العملي في غياب المغرب عن التصويت في بعض قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة المتعلقة بروسيا، من بينها القرار الذي دعا إلى تعليق عضوية موسكو في مجلس حقوق الإنسان سنة 2022، وهو الموقف الذي لاقى استحسانا كبيرا من طرف أصحاب القرار في موسكو.

وإلى جانب ذلك، حافظت الرباط على اتصالاتها الدبلوماسية المفتوحة مع الطرفين، مؤكدة أن الحل في أوكرانيا لا يمكن أن يكون إلا عبر الحوار والوسائل السلمية، وهو ما جعل روسيا تنظر إلى المغرب كشريك غير معاد، خصوصا في محيط إقليمي يميل في مجمله نحو المعسكر الغربي.

ورغم الضغوط الغربية التي طالت عددا من الدول العربية والإفريقية لاتخاذ مواقف حادة من الحرب، ظل المغرب وفيا لنهجه القائم على البراغماتية وعدم التصعيد، وهو ما انعكس إيجابا على مسار علاقاته مع روسيا في السنوات الثلاث الماضية.

عندما أقدمت أغلب الدول الأوروبية على غلق أجواءها في وجه الطائرات الروسية بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، فتحت المملكة المغربية مجالها الجوي أمام عبور الطائرات المدنية الروسية، في خطوة فسّرها مراقبون بأنها تحمل رسائل سياسية ودبلوماسية هادئة تجاه موسكو.

وقد أظهرت منصات تتبع الرحلات الجوية منذ سنة 2022 أن طائرات روسية تابعة لشركتي “Azur Air” و “Nordwind” بدأت تستخدم الأجواء المغربية للوصول إلى وجهاتها في أمريكا اللاتينية، خصوصا نحو المكسيك ودول أمريكا الجنوبية، كما حطت بعض الطائرات الروسية عدة مرات في مطار أكادير قبل مواصلة رحلاتها إلى وجهاتها.

وتستند هذه الخطوة إلى اتفاقية الخدمات الجوية الموقعة بين المغرب وروسيا خلال زيارة الملك محمد السادس إلى موسكو سنة 2016، وهي واحدة من 16 اتفاقية كبرى أرست أسس التعاون الاستراتيجي بين البلدين، وتضمن هذه الاتفاقية للطائرات الروسية حق العبور والهبوط في المطارات المغربية وفق ضوابط السلامة الجوية المتعارف عليها دوليا.

وبينما واجهت شركات الطيران الروسية عزلة خانقة في أجواء أوروبا وشمال الأطلسي، شكّل المغرب منفذا بديلا آمنا لها نحو وجهاتها البعيدة، وهو ما عزز ثقة موسكو في الرباط باعتبارها شريكا موثوقا لم يتبنَّ سياسات الإقصاء والعقوبات.

لجأت الدول الغربية غداة شن روسيا حربها على أوكرانيا، إلى فرض عقوبات قاسية على صادرات الطاقة الروسية، حيث أقفلت أنابيبها في وجه الغاز الروسي بالخصوص، وهو ما جعل موسكو أمام تحد اقتصادي يُهدد البلاد تزامنا مع تكاليف الحرب في أوكرانيا.

في ظل هذه التطورات، برز اسم المغرب كإحدى الوجهات الجديدة للغاز القادم من روسيا، في إطار سياسة تنويع مصادر الطاقة التي تنتهجها الرباط منذ سنوات، حيث كشفت تقارير اقتصادية غربية وروسية متطابقة، منها ما نشرته وكالتا “بلومبرغ” و”رويترز”، أن المغرب رفع وارداته من الغاز والديزل الروسيين بشكل ملحوظ خلال عامي 2023 و2024، في وقت كانت موسكو تبحث عن أسواق جديدة لتعويض خسائرها في أوروبا.

كما أشارت العديد من التقارير  الدولية المتخصصة في تتبع تجارة الطاقة، إلى أن المغرب استقبل شحنات متزايدة من الغاز الروسي عبر موانئه في السنوات الأخيرة (بعد الحرب في أوكرانيا)، وهو ما ساهم في تخفيف الضغط على الاقتصاد الروسي الذي وجد في السوق المغربية منفذا جديدا لتصريف منتجاته الطاقية.

وبينما انتقدت بعض الأصوات الأوروبية هذه الدينامية الجديدة، اعتبرتها موسكو “نموذجا لتعاون متوازن لا يتأثر بالتجاذبات السياسية”، وهو ما انعكس بدوره على مواقف روسيا الإيجابية تجاه المغرب في المحافل الدولية.

لم تتوقف الشراكة المغربية الروسية عند حدود الطاقة في السنوات الأخيرة، بل امتدت إلى قطاع الصيد البحري الذي تحول إلى ركيزة جديدة في التعاون الثنائي، خصوصا بعد تجميد اتفاق الصيد والفلاحة بين المغرب والاتحاد الأوروبي بقرار من محكمة العدل الأوروبية.

ففي الدورة الثامنة للجنة الحكومية المشتركة للتعاون الاقتصادي والعلمي والتقني بين البلدين، وقّع المغرب وروسيا اتفاقية جديدة للصيد البحري تسمح للسفن الروسية بمزاولة أنشطتها في السواحل الأطلسية للمملكة، بما في ذلك الأقاليم الجنوبية.

وتُعد هذه الاتفاقية، وفق المتابعين، ردا دبلوماسيا غير مباشر على المواقف الأوروبية، إذ مكّنت المغرب من توسيع قاعدة شركائه في مجال الصيد، وسمحت لروسيا بتأمين إمدادات بحرية خارج الفضاء الأوروبي الذي تضيق فيه العقوبات.

وبهذا يمكن القول إن اتفاق الصيد البحري شكّل ركيزة اقتصادية واستراتيجية جديدة في العلاقات المغربية الروسية، توازيا مع الانسجام السياسي الذي ميّز مواقف البلدين في الملفات الدولية الكبرى، وفي مقدمتها قضية الصحراء المغربية.

ويبدو من خلال هذه المعطيات، أن المغرب نجح، بفضل المواقف التي اتخذها في علاقته مع موسكو، في دفع روسيا نحو “الحياد الإيجابي” الذي يخدم مصلحة المغرب أكثر مما يضرها، خاصة في ملف الصحراء، مستفيدا من التحولات الجيوساسية التي طبعت العلاقات الدولية في السنوات التي أعقبت الحرب في أوكرانيا.



Source link

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة