عاد اسم المغرب ليشغل موقعا مركزيا داخل دوائر “القلق” في إسبانيا، وفق أحدث استطلاع رأي أصدره المركز الإسباني لبحوث علم الاجتماع (CIS)، والذي أعاد فتح نقاش حساس حول تصوّر الإسبان لمصادر التهديد المحيطة ببلادهم.
النتائج، التي تستند إلى عيّنة واسعة شملت أكثر من ألفي مستجوب، تكشف أنّ ما يقارب ثُلث الإسبان يرون أن احتمال نشوب نزاع عسكري مع المغرب أمر وارد، في ظل قراءة شعبية متشائمة للمشهد الدولي وتوترات إقليمية متجددة.
الاستطلاع أظهر أن 66,2 في المائة من الإسبان فكروا في إمكانية دخول بلادهم في حرب خلال السنوات المقبلة، وبين هؤلاء، أشار 42,2 في المائة إلى المغرب باعتباره الطرف المحتمل للصدام، ليأتي في المرتبة الثانية بعد روسيا، حيث تُظهر هذه المعطيات حضورا ثابتا للمغرب كعامل قلق داخل المزاج العام، رغم التحسن المعلن في العلاقات الثنائية بين الرباط ومدريد خلال الأعوام الأخيرة.
كما اعتبر 57 في المائة من المشاركين أن روسيا تظل الخصم الأول المفترض لإسبانيا، تليها الولايات المتحدة بنسبة 30,2 في المائة، وعلى نحو لافت، تغيب الجزائر تماما عن قائمة المخاوف الشعبية، في مقابل حضور بلدان بعيدة جغرافيا مثل الصين بنسبة 11,2في المائة وإسرائيل بـ 3 في المائة.
البيانات تُظهر بوضوح أن الخوف من الحروب والصراعات أصبح الهاجس الأول لدى الإسبان الذين يعانون قلقا دائما، بنسبة وصلت إلى 76,8 في المائة، متقدما على المخاوف الصحية والاقتصادية، حيث تشير النتائج إلى أن 68 في المائة من المستجوبين يرون العالم متجها نحو الأسوأ، بينما يميل 67,7 في المائة إلى تقييم الوضع الداخلي لإسبانيا بشكل سلبي.
وتكشف هذه القراءة مزاجا عاما مطبوعا بالتوجس في سياق دولي تتسارع فيه الأزمات، وتتصاعد فيه معدلات عدم اليقين، خصوصا مع النزاعات المفتوحة في شرق أوروبا وتنامي التوترات الجيوسياسية حول العالم.
وكانت دراسة سابقة لمعهد “إلكانو” صدرت في يونيو 2025، أبرزت أن مُعدل التعاطف مع المغرب لا يتجاوز 4,6 على 10، وهو مستوى أقل بكثير مما تحظى به دول أوروبية أو حتى دول مثل فلسطين، حيث يربط خبراء المعهد هذا التراجع بارتباط اسم المغرب في المخيال الإسباني بـ “الهجرة غير النظامية”، التي تشكل الهمّ الأول أوروبيا.
الدراسة ذاتها تُظهر أن 55 في المائة من الإسبان يعتبرون المغرب مصدر تهديد محتمل، كما ارتفعت نسب اعتبار الولايات المتحدة تهديدا إلى 19 في المائة، متأثرة بسياسات الإدارة الأميركية في عهد الرئيس دونالد ترامب، فيما تواصل روسيا صعودها كعامل قلق رئيسي منذ غزو أوكرانيا سنة 2022.
ورغم ذلك، تواصل الحكومة الإسبانية والمؤسسة العسكرية تفادي توصيف المغرب كتهديد مباشر، بما يعكس رغبة رسمية في حماية مسار الشراكة القائمة بين البلدين، خصوصا في ملفات الهجرة والتجارة والأمن.
وبموازاة هذا المناخ المتوتر، يوضح استطلاع “إلكانو” أن 57 في المائة من الإسبان يؤيدون رفع مستوى الإنفاق الدفاعي الأوروبي، بينما يساند 52 في المائة إرسال قوات عسكرية لضمان الأمن في أوكرانيا، وهو تحول مهم في بلد عُرف تاريخياً بتحفظه تجاه التدخلات العسكرية الخارجية.



