أصدر نظام الإنذار السريع للأغذية والأعلاف التابع للاتحاد الأوروبي RASFF إنذارا عاجلا بخصوص شحنة من الطماطم الكرزية المستوردة من المغرب، بعد أن رصدت السلطات الهولندية وجود تلوث بمعدن غير محدد داخل المنتوج.
هذا الإنذار، الذي صدر حمل الرقم المرجعي 2025.6942، أثار حالة من الاستنفار داخل السوق الأوروبية، حيث صنّف مستوى الخطر المرتبط بالمنتوج في خانة “الخطير”، وهو ما دفع إلى اتخاذ تدابير فورية تمثلت في سحب الشحنة من السوق الهولندية وتوجيه إشعار لباقي المستوردين والسلطات المعنية في الدول الأوروبية الأخرى.
المعطيات الصادرة عن الاتحاد الأوروبي أوضحت أن الفحص الداخلي الذي أجرته شركة هولندية على دفعة من الطماطم المغربية هو الذي كشف عن هذا التلوث دون أن يُعلن عن نوع المعدن المكتشف أو نسبته الدقيقة الأمر الذي جعل طبيعة الخطر غير واضحة بشكل كامل لكنه كافٍ بالنسبة للمفوضية الأوروبية للتصنيف في درجة الخطورة القصوى.
ومنذ لحظة تلقي الإخطار، لم تتوقف تداعياته عند هولندا; بل تم تعميمه ليشمل أسواقا أوروبية أخرى وصلت إليها الشحنة، وعلى رأسها ألمانيا والدنمارك وجمهورية التشيك والمملكة المتحدة، إضافة إلى بلد المنشأ المغرب، ما يعني أن القضية لها بعد عابر للحدود وذات حساسية كبيرة بالنسبة للمستهلك الأوروبي.
وهذا الإجراء، بحسب نظام الإنذار السريع جاء في إطار مراقبة وقائية بعد أن بادرت الشركة الهولندية إلى إخطار السلطات المختصة بالنتيجة التي توصلت إليها في إطار فحص داخلي روتيني.
ويؤكد الإنذار أنه لم يتم، حتى الآن، تسجيل أي أعراض مرضية أو حالات تسمم غذائي مرتبطة باستهلاك هذه الطماطم، وهو ما يضع القضية في خانة التدابير الاستباقية التي تهدف بالأساس إلى تجنيب المستهلك الأوروبي أي مخاطر محتملة. ومع ذلك فإن مجرد تصنيف المنتوج ضمن خانة “الخطر الكبير” يضع ضغطا شديدا على سمعة الطماطم المغربية في السوق الأوروبية.
الحادثة أعادت مجددا تسليط الضوء على هشاشة الصادرات الفلاحية المغربية أمام المعايير الأوروبية الصارمة خاصة وأن الاتحاد الأوروبي يمثل الشريك التجاري الأول للمغرب في هذا المجال والوجهة الأساسية لمعظم منتجاته الزراعية.
وتعتبر الطماطم إحدى أهم ركائز الصادرات الفلاحية المغربية، حيث تستحوذ على نصيب وافر من العائدات المالية للقطاع وتجد منافسة شديدة من جانب المنتجين الأوروبيين، خاصة في فرنسا وإسبانيا وهذه المنافسة لطالما ترافقت مع ضغوط سياسية داخل أوروبا لتقييد أو على الأقل تشديد المراقبة على الصادرات المغربية، بدعوى حماية الإنتاج المحلي والحرص على احترام المعايير الصحية.
ومثل هذه الإنذارات، حتى لو لم تسفر عن تسجيل أي حالات تسمم، قد تُستغل لتبرير فرض المزيد من القيود الرقابية والإدارية على دخول المنتجات المغربية للأسواق الأوروبية.
المعطيات الرسمية الصادرة عن الاتحاد الأوروبي تذهب إلى أن فقدان المغرب لشحنات من هذا النوع لا يعني فقط خسارة مالية آنية مرتبطة بعملية السحب من السوق، وإنما قد يتسبب في تداعيات أعمق مرتبطة بتآكل ثقة المستهلك الأوروبي في المنتوج المغربي.
وتاريخيا، بينت التجارب أن تكرار مثل هذه الإنذارات يفتح الباب أمام مراجعة الاتفاقيات التجارية ويؤدي إلى تشديد المراقبة على الحدود الأوروبية كما أن الخسارة لا تقتصر على المصدرين الكبار، بل تمتد آثارها إلى آلاف الفلاحين الصغار المرتبطين بسلاسل الإنتاج والتصدير، حيث تتحول الأزمة من قضية تقنية إلى معضلة اجتماعية واقتصادية تمس شريحة واسعة من العاملين في القطاع الفلاحي.
وفي سياق خطورة وحساسية هذه المعطيات حاولت “الصحيفة” التواصل مع المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية “أونسا”، بصفته الهيئة المخولة لمراقبة وضبط جودة وسلامة المنتجات الغذائية داخل المغرب، قصد الحصول على توضيحات رسمية بخصوص طبيعة الحادثة والإجراءات المتخذة للتعامل مع هذا الإنذار الأوروبي غير أنها لم تتلق أي رد أو توضيح من المكتب إلى حدود كتابة هذه الأسطر من صباح السبت، ما يزيد من حالة الغموض التي تلف الملف ويطرح علامات استفهام حول سرعة تفاعل المؤسسة الوطنية مع قضية ذات أبعاد دولية قد تضر بصورة المنتوج المغربي في الخارج.
المراقبون والخبراء في مجال سلامة الأغذية يؤكدون أن مثل هذه الوقائع تتطلب تواصلا فوريا وشفافا من المؤسسات المعنية، ليس فقط لطمأنة الرأي العام المحلي وحماية سمعة المنتوج المغربي، وإنما أيضا لتقديم معطيات دقيقة للشركاء الدوليين حول مصدر التلوث وظروف حدوثه هل يتعلق الأمر بمشكلة في سلسلة الإنتاج بالمغرب أم أثناء النقل والتخزين في أوروبا.
وهذا التوضيح أساسي لتحديد المسؤوليات وتفادي إلقاء اللوم كاملا على المصدر المغربي، خصوصا وأن مسار الشحنات الغذائية يمر عبر مراحل متعددة، ما يجعل احتمال التلوث قائما في أي محطة من محطات السلسلة.
من جهة ثانية، فإن التجارب السابقة تؤكد أن الاتحاد الأوروبي يتعامل بجدية بالغة مع أي إشعار صادر عن نظام RASFF، حيث يمكن أن يترتب عن ذلك تشديد مراقبة الحدود لفترات طويلة على منتوج بعينه أو حتى على بلد المصدر ككل.
والمغرب الذي يُعوّل على صادراته الفلاحية كمورد أساسي للعملة الصعبة، لا يحتمل أن تتكرر مثل هذه الإنذارات دون أن يتخذ إجراءات واضحة على المستوى الوطني لتفاديها، سواء عبر تقوية آليات المراقبة المخبرية أو من خلال تعزيز الشفافية في التواصل عند وقوع حوادث مماثلة.
القضية تكشف أيضا عن جانب آخر شديد الحساسية يتمثل في استغلال مثل هذه الإنذارات في الصراع التجاري بين المغرب وبعض منافسيه الأوروبيين، حيث غالبا ما يتم تسليط الضوء الإعلامي على هذه الوقائع لتشويه صورة المنتوج المغربي لدى المستهلك الأوروبي، وبالتالي الحد من قدرته التنافسية. ولعل ما يزيد من خطورة الوضع هذه المرة هو اتساع دائرة توزيع الشحنة لتشمل عدة بلدان أوروبية في وقت واحد، ما يجعل تبعات الحادثة مضاعفة سواء من حيث حجم المستهلكين المتأثرين أو من حيث حجم الإجراءات الاحترازية المطلوبة.
ويعكس الإنذار الصادر عن نظام الإنذار السريع للأغذية والأعلاف بالاتحاد الأوروبي بشأن الطماطم الكرزية المغربية تعقيدات العلاقة بين الصادرات الفلاحية المغربية والسوق الأوروبية، ويضع المؤسسات الوطنية أمام اختبار حقيقي لمدى جاهزيتها للتفاعل مع قضايا بهذا الحجم. ومع استمرار صمت المكتب الوطني للسلامة الصحية وعدم تقديمه أي رد رسمي إلى حدود صباح السبت، تبقى الكثير من الأسئلة عالقة، فيما يظل مستقبل سمعة المنتوج المغربي في الخارج مرهونا بمدى قدرة السلطات على تقديم إجابات شفافة وقرارات ملموسة لاحتواء الأزمة.



