الجدل يرافق المسطرة الجنائية في أول أيام تطبيقها.. هل أُغفِل فحص دستوريتها؟

admin8 ديسمبر 2025آخر تحديث :
الجدل يرافق المسطرة الجنائية في أول أيام تطبيقها.. هل أُغفِل فحص دستوريتها؟


يرافق اليوم الأول من دخول قانون المسطرة الجنائية حيز التنفيذ (8 دجنبر) جدلُ كبير بسبب بدء تطبيق مقتضيات هذا القانون اللصيق بحقوق وحريات الأفراد دون استثمار الآليات الدستورية الكفيلة بضمان مطابقته لدستور المملكة، حسب منتقديه، وذلك لعدم طلب إحالة هذا النص القانوني على المحكمة الدستورية من الأطراف التي خولت لهم المادة 132 من الدستور الحق في ذلك.

وتبرز أهمية هذا القانون في حجم التعديلات التي شملته، حيث تم تغيير وتتميم 286 مادة إلى جانب إضافة 106 مواد جديدة وتعويض 62 مادة بالإضافة إلى حذف 5 مواد، وهو ما يعني أن ما يفوق 420 مادة من القانون قد طالها التغيير، وهو رقم غير مسبوق يعكس عمق الإصلاحات.

وبالنظر إلى حجم التعديلات والتغييرات التي لحقت النسخة السابقة من قانون المسطرة الجنائية، يري خبراء في المجال القانوني والحقوقي أن هذا النص لم يأخذ وقته الكافي من النقاش، سواء على مستوى المؤسسة التشريعية أو على مستوى النقاش العمومي، لأهمية مضامينه وتأثيرها المباشر على حقوق وحريات المواطنين.

“الانتقائية” في تعديل القوانين

عمر الداودي، محامي بهيئة الرباط، قال إن “فحص دستورية مضامين قانون المسطرة الجنائية هي مسألة مهمة لم تتم عند المصادقة على هذا القانون اللصيق بحقوق وحريات المواطنين”، مشيراً إلى أنه “حتى الدفع بعدم الدستورية الذي يعطي إمكانية الرقابة الدستورية البعدية من طرف المواطنين لن يخرج إلى الوجود”.

واعتبر المحامي بهيئة الرباط، في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أن “وزير العدل تعامل بنوع من الانتقائية في تعديل عدد من القوانين”، مبرزاً أن “إحالة مشروع قانون المسطرة المدنية على المحكمة الدستورية نابع من الجدل الذي خلقته مضامينها على المستوى المجتمعي وبين المهتمين بالشأن القانوني والدستوري، وهو ما يظهر أنه لم يكن مرغوباً فيه عند تعديل قانون المسطرة الجنائية”.

وشدد المحامي عينه على أن “قانون المسطرة الجنائية لم ينل حقه من النقاش العمومي بحكم أنه متعلق بحقوق وحريات المواطنين”، مشيراً إلى أن “إقرار التوازن بين حقوق الناس وحقوق المجتمع وتأطيره (التوازن) بقانون يجب أن يتم بعد مناقشة موسعة وعميقة وليس بالسرعة التي تمت من خلالها تعديلات هذا القانون الإجرائي المهم”.

وفي نفس الصدد، أورد المتحدث ذاته أن “هذا القانون الذي دخل حيز التنفيذ اليوم لم ينل نصيبه من النقاش حتى داخل المؤسسة التشريعية بغرفتيها”، مبرزاً أن “تمرير هذا القانون بهذا الشكل ينم عن ضعف في مكونات المعارضة البرلمانية”.

“فراغ دستوري”

من جهة أخرى، اعتبر عبد الإله الخضري، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، أن “أي تعديل أو مراجعة تطال قانون المسطرة الجنائية يجب أن يكون لها تأثير مباشر على ضمانات المحاكمة العادلة وعلى صون الحرية الشخصية، وهي حقوق ذات حماية دستورية صريحة في دستور 2011″، مبرزاً أنه “لهذا يبدو لأول وهلة أنه كان من الأجدر، بالنظر إلى هذه الأهمية، أن تتم إحالته على المحكمة الدستورية قصد فحص مدى مطابقته لأحكام الدستور قبل دخوله حيز التنفيذ”.

وتابع الخضري، في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أن “الإحالة على المحكمة الدستورية ليست إجراء تلقائيا، بل رهينة بوجود مبادرة من إحدى الجهات التي منحها المشرع المغربي حق طلب الإحالة (وهذا وارد في الدستور في الفصل 132)، وهي: الملك، رئيس الحكومة، رئيسا مجلسي البرلمان، خمس أعضاء مجلس النواب، أو أربعون عضوا من مجلس المستشارين”.

واعتبر المتحدث ذاته أنه “بما أن الدستور لم يرتب أي إلزام على هذه الجهات لإحالة أي قانون معين، بما فيه القوانين ذات الأهمية الخاصة، فإن إحالة النصوص التشريعية تبقى في النهاية رهينة بالإرادة السياسية للجهات المخولة بذلك”، مشيراً إلى أنه “إذا لم يتقدم أي طرف بطلب الإحالة، فإن المحكمة الدستورية لا يمكنها من تلقاء نفسها فحص القانون، سواء تعلق الأمر بقانون المسطرة الجنائية أو غيره”.

وجوابا على الاختيار السياسي لرئيس مجلس النواب، راشيد الطالبي العلمي، بإحالة قانون المسطرة المدنية على المحكمة الدستورية دون استثمار نفس المكنة الدستورية بالنسبة لقانون المسطرة الجنائية وامتناع باقي الأطراف المخول لهم هذا الحق عن طلب الإحالة، سجل الخضر بأن “إحالة قانون المسطرة المدنية جاءت بناء على مبادرة من جهة لها الحق في ذلك، قد تكون رأت أن مشروع المسطرة المدنية يطرح إشكالات دستورية محتملة، أو يحتاج إلى نوع من التحصين الدستوري قبل بدء تطبيقه، خاصة وأن بعض مقتضياته قد أثارت نقاشا واسعا داخل الأوساط المهنية والقانونية، كقواعد التبليغ، وطرق الطعن، والتنفيذ، والتحكيم، وغير ذلك من الميادين المرتبطة مباشرة بضمانات المحاكمة المدنية”.

وسجل الفاعل الحقوقي أن “غياب مبادرة مماثلة بالنسبة لقانون المسطرة الجنائية، مما جعل نصه يمر من المسطرة التشريعية دون مراقبة قبلية، قد يعود إلى اعتبارات محتملة كثيرة، منها مثلا اتفاق نسبي داخل الفرق البرلمانية حول مضامينه، أو اعتبار الحكومة أن المقتضيات المقترحة لا تطرح مخاطر دستورية كبيرة، وفي جميع الأحوال، هناك ما يمكن أن نسميه بالرقابة الدستورية البعدية التي جاء بها دستور 2011، والتي تسمح لأي متقاض (مواطن عادي طرفا في قضية جنحية أو جنائية) بأن يثير الدفع بعدم دستورية أي قانون أثناء محاكمته، إذا كان يمس بحقوقه وحرياته الدستورية”.

واعتبر المصدر عينه أن “الفرق بين القانونين لا يتعلق بالأهمية أو بالأثر الحقوقي لكل منهما، بل يتعلق حصرا بوجود مبادرة بالإحالة من عدمها”، لافتاً إلى أن “الإحالة على المحكمة الدستورية، حسب النظام الدستوري المغربي، ليست إلزامية، وإنما اختيار قائم على تقدير سياسي ومؤسساتي، ولو أن هناك التزاما قانونيا أو دستوريا بإحالة القوانين الأكثر ارتباطا بالحقوق والحريات، لكان قانون المسطرة الجنائية في مقدمة النصوص التي تعرض على المحكمة الدستورية، وهنا يمكن القول بأن الدستور في هذه التفصيلة الدقيقة ترك ثغرة بحاجة إلى إصلاح في أي فرصة تعديل دستوري في المستقبل المنظور”.



Source link

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة