بعد سحب الاعتراف بالبوليساريو.. المغرب وكينيا يعززان تنسيقهما الاقتصادي داخل المنظمة البحرية الدولية

admin25 أكتوبر 2025آخر تحديث :
بعد سحب الاعتراف بالبوليساريو.. المغرب وكينيا يعززان تنسيقهما الاقتصادي داخل المنظمة البحرية الدولية


أشر اللقاء الذي جمع وزير النقل واللوجستيك المغربي عبد الصمد قيوح بنظيره الكيني حسن علي جوهو في الرباط، أمس الجمعة، على خطوة سياسية واضحة تكشف انتقال العلاقات بين البلدين إلى مستوى أعلى من التنسيق بعد انحياز نيروبي لمخطط الحكم الذاتي وسحب اعترافها بالبوليساريو، مع التركيز على الربط البحري والجوي واللوجستي، والتنسيق داخل المنظمة البحرية الدولية، وتبادل الخبرات في التكوين البحري، بشكل يعكس تحوّلا عمليا في أولويات الجانبين.

واحتضنت الرباط أمس الجمعة مباحثات بين وزير النقل واللوجستيك المغربي عبد الصمد قيوح ونظيره الكيني في المناجم والاقتصاد الأزرق والشؤون البحرية حسن علي جوهو، فيما جوهر اللقاء كان عمليا تعميق التعاون في النقل البحري والجوي واللوجستيك، والإسراع في إنهاء مذكرة تفاهم للتعاون التقني لضبط الأطر التنفيذية المشتركة. 

وقد خرج الاجتماع بتأكيد إرادة الطرفين في تحويل العناوين العريضة إلى مسارات تنفيذية ملموسة—من “السلامة البحرية” إلى “الحركية والربطية” ضمن رؤية تجعل اللوجستيك والنقل رافعة مباشرة لتوسيع التبادل وربط الأسواق، وهذا المضمون ثبتته تغطيات صحافية كينية وصيغ رسمية وضفته بـ “إعادة التأكيد على تعميق التعاون الثلاثي المحاور (بحري/جوي/لوجستي) مع الرباط”، في إشارة إلى دعم مغربي لمسعى نيروبي نيل إعادة الانتخاب في مجلس المنظمة البحرية الدولية (IMO)، بما يعكس تقاطع المصالح في الأروقة المتعددة الأطراف لا في القناة الثنائية فقط.

وتفصيلا، خاطبت الرواية الكينية الرأي العام بمفردات “السلامة البحرية، الحركية، الربطية” بوصفها مجالات تعاون أولى، وهو ما ظهر بوضوح في منشور الوزير حسن جوهو على منصة “إكس” حين لخّص جدول أعمال لقائه في الرباط بهذه الكلمات المفصلية، مؤكدا منحى تعاون تقني تطبيقي لا يكتفي بالإطار الدبلوماسي العام. 

وفي المقابل، برز في الخبر نفسه تأكيد الرباط دعمها لإعادة انتخاب كينيا في مجلس الـIMO، كإشارة إلى أن التنسيق يتجاوز الملفات التشغيلية إلى هندسة المواقف داخل المؤسسات البحرية الدولية، وهذه النقاط تعطي للّقاء وزنا يتخطّى المجاملة البروتوكولية نحو تموضع مشترك في قضايا الحكم البحري العالمي.

كيف قرأت الصحافة الكينية الحدث؟ أولا العناوين ذهبت مباشرة إلى لبّ الموضوع، “كينيا والمغرب يلتزمان تعزيز التعاون البحري واللوجستي” مع إبراز أن التصريحات جاءت عقب مباحثات في الرباط بين جوهو وقيوح، كما  اختارت غرف الأخبار في نيروبي مثل “كابيتال إف إم” صوغ الرسالة بلغة إيجابية تُشدد على “قوة الروابط الثنائية المتنامية” وتتعامل مع الرباط كفضاء لعقد اتفاقات عملية لا كمنصة صور. 

وأعادت الوكالة الأفريقية (FAAPA) تقديم اللقاء كجزء من “دينامية إيجابية” قيد التشكل نحو تعاون في النقل البحري والجوي واللوجستيك، ما يعزّز الانطباع بأن الملف يُدار كحزمة قطاعية واحدة وهي سياسات، استثمار، ومؤسسات دولية (كالـIMO)، فيما اللافت أيضا أن الخطاب الإعلامي الكيني ربط اللقاء صراحة بمفاهيم الحركية والربطية وهما كلمتان تُترجمان في السياسات إلى خطوط ممرات وواجهات بحرية ما يعني أن “الربط” لم يعد شعارا في شرق أفريقيا، بل محدِّدا للصناعات اللوجستية والموانئ وممرات التجارة بين المحيط الهندي والواجهة الأطلسية عبر المغرب، وفق ما أوردته “كابيتال إف إم” الكينية.

وهذا التلاقي الدبلوماسي-القطاعي من جهة ثانية، لا يمكن فصله عن المنحنى السياسي الذي اتخذته نيروبي حيال ملف الصحراء، فبعد مرحلة تردّد وانكفاء تكتيكي في شتنبر 2022 حين سحبت الرئاسة تغريدة تُعلن فيها إنهاء الاعتراف بـ”الجمهورية الصحراوية” ثم عادت وزارة الخارجية لتؤكد أن سياسة البلاد “لم تتغيّر”.

في ذلك التوقيت انتقلت كينيا إلى موقف حاسم وواضح لاحقا في 26 ماي الماضي عبر بيان مشترك بالرباط يدعم مخطط الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية باعتباره “الحل الوحيد المستدام” وهذا التحول من “إشارة متردّدة تم التراجع عنها” إلى “تبنٍّ رسمي في صيغة بيان مشترك” يمنح العلاقات الثنائية دفعة سياسية تُحوِّل التعاون القطاعي إلى خيار استراتيجي طويل المدى، ويُدخل الملفات البحرية-اللوجستية في دائرة “مصالح مشتركة محروسة سياسياً”.

وتحليل التداعيات المباشرة لهذا المسار يقترح ثلاث قطاعات متداخلة، أولا قطاع السياسات حيث تتلاقى الحاجات الكينية لتوسيع منافذ التجارة البحرية-الجوية مع تموقع المغرب كبوابة أطلسية-متوسطية متقدمة بالبنية التحتية (وتحديدا في الموانئ واللوجستيك)، هنا، أي تفاهم حول “السلامة البحرية/الحركية/الربطية” يُقرأ كمدخل براغماتي لتقليل كلفة النقل ورفع موثوقية سلاسل الإمداد بين شرق أفريقيا وشمال-غرب أفريقيا،

 ثانياً، طبقة التمثيل داخل المؤسسات الدولية، فدعم الرباط لإعادة انتخاب نيروبي في مجلس الـIMO، مقابل إشادة كينية بأداء المغرب ضمن الفئة C، يعيد تشكيل كتلة تصويت وتشاور في ملفات المعايير البحرية، الأمن، والحوكمة، بما يخدم بيئة تنظيمية أكثر تناغما بين الطرفين، وثالثاً، طبقة التموضع الجيو-اقتصادي، حين تنقل كينيا موقفها إلى خانة دعم الحكم الذاتي، فإنها عمليا تُقفل باب الغموض الاستراتيجي في ملف حساس بالنسبة للرباط، ما يُحرِّر طاقة سياسية لإدارة ملفات تعاونية عابرة للقطاعات (طاقة متجددة، أسمدة وفوسفات، أسواق غذائية)، كما توثّقه برقيات وتقارير دولية منذ الربيع الماضي.

وهكذا، يمكن اعتبار أن لقاء الرباط الذي تم بين قيوح ونظيره الكيني هو في الحقيقة حلقة في سلسلة متصاعدة من تصحيح تموضع كينيا في 2022 إلى تبنّي رسمي لمخطط الحكم الذاتي في 2025، ثم تحويل الزخم السياسي إلى أجندة تعاون بحري-جوي-لوجستي بأدوات تنفيذية (مذكرة تفاهم تقنية، تنسيق داخل الـIMO، جدول عمل حول السلامة والربط).

لهذا  يُقرأ اللقاء كاختبار واقعي لمدى قدرة الرباط ونيروبي على نسج “ممر ثنائي الاتجاه” بين المحيط الهندي والواجهة الأطلسية، يَدفع بالتجارة البينية الأفريقية، ويمنح البلدين حصة أعلى في سلاسل القيمة العالمية، فيما يثبت في الآن ذاته أن اصطفافات السياسة الخارجية في ملفات بحجم الصحراء تملك أثراا مباشرا على جداول الأعمال الاقتصادية والقطاعية. 



Source link

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة