قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إن الجمهوريين يعملون على إعداد مشروع قانون يقضي بفرض عقوبات على أي دولة تتعامل تجارياً مع روسيا، مشيراً إلى أن إيران قد تُضاف إلى تلك القائمة، مضيفا في تصريحات للصحافيين، بحسب ما نقلته وكالة رويترز: “كما تعملون، أنا من اقترح ذلك… لذا فإن أي دولة ستجري تعاملات تجارية مع روسيا ستخضع لعقوبات شديدة للغاية. ربما يضيفون إيران إلى تلك القائمة”.
وخلال السنوات الأخيرة، ووفق أرقام نشرتها وسائل إعلام روسيا، شهدت المعاملات التجارية بين المغرب وروسيا في السنوات الأخيرة نمواً ملحوظاً بفضل تعزيز التعاون الاقتصادي في قطاعات استراتيجية، إذ بلغت المبادلات التجارية بين البلدين نحو 3 مليارات دولار في 2024، مما يعكس دينامية متنامية في العلاقات الاقتصادية.
ومن جهة الصادرات المغربية إلى روسيا، تمثّلت في المقام الأول بالفواكه والمكسرات مثل الحمضيات والكوكاو، إلى جانب منتجات خفيفة وصناعات الخشب والخدمات التكنولوجية، بينما تعتمد المغرب بدرجة كبيرة على واردات زراعية من روسيا، لا سيما الحبوب التي بلغت قيمتها حوالي 280 مليون دولار عام 2024، تشمل صادرات القمح والزيوت وبقية المشتقات مثل علف دوّار الشمس.
ولا يقتصر هذا التبادل على المجال الزراعي، بل يمتد إلى قطاع الصيد البحري، بعد توقيع المغرب وروسيا في 2025 على اتفاقية لصيد الأسماك تسمح للسفن الروسية بصيد حوالي 80 ألف طن من الأسماك في المياه المغربية.
في هذا السياق، قال الباحث في الاقتصاد، ياسر الدرويش، إن أي إعلان عن عقوبات ثانوية موجّهة نحو شركاء روسيا يغيّر قواعد اللعبة فوراً، لأنه لا يستهدف موسكو فقط بل شبكة الدول التي ترتبط معها بتجارة استراتيجية، موضحا أن هذا النوع من التهديد يكشف انتقال الولايات المتحدة من سياسة “احتواء روسيا” إلى سياسة “تطويق الداعمين”، وهو منحى يعكس اعتقاداً بأن النفوذ الروسي لم يعد يُكبح إلا عبر الضغط على الأطراف المحيطة به، لا على موسكو وحدها.
وأضاف الدرويش أن وضع المغرب ضمن قائمة الشركاء المهمين لروسيا في إفريقيا يجعله في منطقة رمادية حساسة، لأن الرباط لا تتحرك من موقع سياسي منحاز لروسيا، بل من موقع يسعى إلى تنويع الشراكات وتحقيق التوازن بين الفاعلين الدوليين، مسجلا في الوقت نفسه أن العقوبات الثانوية قد تضع هذا التوازن موضع اختبار، لأنها تُجبر الدول على تعديل هندسة تجارتها بما يخدم المنطق الأمريكي، لا منطق مصالحها الداخلية.
واعتبر، في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أن الخطر الحقيقي لا يكمن في العقوبات نفسها، بل في “تكلفة عدم الامتثال”، إذ تتحرك البنوك وشركات الشحن والتأمين بسرعة أكبر من الحكومات، وتتجنب أي تعامل قد يجعلها عرضة للعقاب، ما قد ينعكس على المغرب بتردد مالي، وتعطّل في التحويلات، أو ارتفاع مفاجئ لتكاليف الشحن والتأمين، وبالتالي الضغط على القطاعات الفلاحية والطاقية التي تعتمد على استقرار سلاسل التوريد.
واستطرد المحلل بأن المغرب يمكنه اقتصادياً أن يستفيد من هذه الأزمة إذا أحسن إدارة اللحظة، فالتحولات الجيو-اقتصادية العالمية تعيد رسم خرائط الإمداد، والدول التي تمتلك قدرة عالية على المناورة ستكون أكثر قدرة على جذب استثمارات تبحث عن أسواق مستقرة، ولكن هذا يتطلب مبادرة مغربية واضحة، تشمل تقوية الشراكات الأوروبية والأمريكية، وضمان بدائل سريعة لواردات من روسيا، وخلق بيئة تنظيمية مطمئنة للمستثمرين.
واختتم الدرويش تحليله بالتأكيد أن التحدي الاستراتيجي أمام المغرب ليس فقط في تفادي العقوبات، بل في الحفاظ على استقلالية قراره الاقتصادي دون خسارة أي من الشريكين الكبار؛ واشنطن وموسكو، مشيراً إلى أن ذلك يفرض مساراً دبلوماسياً حذراً يقوم على توضيح أن علاقة المغرب بروسيا اقتصادية محضة وليست تحالفاً سياسياً، مع الاستمرار في تقوية التحالفات الغربية، لأن الصمود في عالم يعيد تشكيل نفسه بالضغط والاصطفاف لا يتحقق بتقليل الشركاء، بل بذكاء توزيعهم.


