من أمستردام حيث وُلدت وترعرعت، نسجت سهام بوراكة وهي أم لابنين، (17 و14 عاماً) مسيرة تتقاطع فيها الثقافة المغربية والهولندية عبر المسرح والموسيقى والفنون. شغفها بهذا المزج الثقافي جعل من تجربتها رحلة شخصية ومهنية غنية، نقترب منها أكثر في هذا الحوار.
- السيدة بوراكة سهام حدثينا بداية عن أبرز محطاتك المهنية؟
بعد دراستي لعلوم الاتصال في جامعة أمستردام بدأت مسيرتي الإعلامية في القناة التلفزيونية المحلية AT5. وفي عام 2016 اخترت عن وعي الانتقال إلى القطاع الثقافي بدافع شغفي بفنون الأداء، حيث وجدت مكاني في مسرح دي كراكلينغ، وهو المسرح الشبابي الأبرز في هولندا منذ نحو نصف قرن.
بدأت كمديرة أولى للتسويق والاتصال، وفي عام 2020 أسست قسماً تجارياً جديداً ساعد على مأسسة العمل ووضع أسس للنمو والتجديد.

جانب عملي، أنا ناشطة اجتماعياً من خلال عضويتي في مجالس إدارة عدة مؤسسات موسيقية وثقافية، منها مؤسسة أسبوع موسيقى الأطفال ومؤسسة موسيقى سلوتيرمير، كما أنني عضوة في مجلس إدارة WG Kunst المعني بالمعارض والمشاريع الفنية المعاصرة. من خلال كل ذلك أطمح للإسهام في قطاع ثقافي يُثري الأطفال والمبدعين والمجتمعات ويمنحهم القوة والقدرة على التواصل والإبداع.
- ما هي أبرز أهدافك كمديرة لمسرح دي كراكلينغ؟
رسالتي في دي كراكلينغ واضحة: أن أُعرّف أكبر عدد ممكن من الأطفال على المسرح، لأنه ينمّي لديهم الخيال، والقدرات الإبداعية، والاجتماعية والتعاطف. فالمسرح فضاء لا يُقدَّر بثمن في التطور الشخصي، والمعرفي والاجتماعي للأطفال والشباب.
بين عامي 2023 و2025 جمعتُ عملي في دي كراكلينغ مع منصب المديرة الإدارية في الأوركسترا الأندلسية في أمستردام. وفي عام 2025 تم تعييني نائبة مديرة مسرح دي كراكلينغ، اعترافاً بجهودي في جعله أكثر تنوعاً وشمولاً واستشرافاً للمستقبل.
- توليت أيضا لسنوات إدارة الأوركسترا الأندلسية في أمستردام. ماذا عن هذه التجربة؟
بوصفي عاشقة وعارفة بالموسيقى العربية والأندلسية تابعتُ الأوركسترا منذ بداياتها، وفهمت مسيرتها جيداً في المشهد الثقافي. عندما التحقتُ بمسرح دي كراكلينغ سنحت لي فرصة تقديم الأوركسترا للمسرح الشبابي، وهناك بدأ أول تعاون بيننا. وقد أثمر هذا التعاون عن إنتاج مشترك لعرض موسيقي مخصص للأطفال والشباب. وفي عام 2023 دُعيت لتولي منصب المديرة الإدارية للأوركسترا، وهو الدور الذي قمت به بالتوازي مع عملي في دي كراكلينغ حتى وقت قريب.
- فما الذي جعلك تنتقلين من الموسيقى الأندلسية إلى خشبة المسرح؟
في الحقيقة، الأمر كان بالعكس: دخولي إلى القطاع الثقافي قبل نحو عشر سنوات جاء مدفوعاً بشغفي العميق بقوة السرد. فالقصة بالنسبة لي ليست مجرد وسيلة للإخبار، بل أداة للوصل والإلهام ولمس القلوب. وبالجمع بين خبرتي في التسويق وشغفي بفنون الأداء، استطعت أن أمنح هذه القصص جمهوراً أوسع، وأن أفتح آفاقاً جديدة وأن أجعل المسرح متاحاً للجميع.
هذا الإرث الغني يوفّر أساساً متيناً لتعزيز هوية المسرح عبر شراكات دولية تسمح بتبادل القصص ووجهات النظر والأفكار الجديدة.
- في هذا السياق هل ترين نفسك تطلقين مشروعاً مسرحياً في المغرب بخبرتك الهولندية؟
بالتأكيد! أعمل حالياً مع دي كراكلينغ على مشروع لإنتاج عرض شبابي يُقدَّم على خشبة مسرح في المغرب هذا العام. وأرى أن من واجبي أيضاً المساهمة في تعزيز وتطوير المسرح الشبابي في المغرب، مستفيدة من خبرة تراكمت على مدى أكثر من عقد.

طموحي أن أبني جسوراً بين الثقافات وأُوجد منصات تمنح الأطفال والشباب المغاربة فرصة اختبار قوة المسرح التحويلية.
- المشهد الهولندي مليء بنماذج متميزة لمغاربة هولندا، لكن هناك انطباع أن الإعلام الهولندي يركز كثيراً على الصور السلبية للمهاجرين المغاربة. أليس كذلك؟
برأيي، الإعلام الهولندي لا يركّز حصراً على المغاربة، بل إن المشهد الإعلامي عموماً يتسم بنبرة سلبية بسبب المنافسة الشديدة مع المنصات الرقمية وسباق الانتباه المستمر. هذا ما يدفع وسائل الإعلام إلى التركيز على الأخبار المثيرة والسريعة. لكن هذا الواقع يفتح أيضاً فرصة لتسليط الضوء على القصص الإيجابية، والنجاحات اليومية، والمساهمات الثقافية، والتجارب المتنوعة التي تثري المجتمع.
- وكيف تردّين على ضعف الاهتمام بنجاحات المغاربة في مجالي الثقافة والفنون؟
هذا النقص يمكن – بل يجب – معالجته. هناك فنانون ومبدعون مغاربة يقدّمون مساهمات كبيرة لكنهم غالباً لا يُمثَّلون كما ينبغي في الإعلام والتيارات الثقافية السائدة. ردي هو أنني أعمل دائماً على إبراز هذه الأصوات ومنحها المنصات، وعلى خلق فرص للتعاون تتيح وصولها لجمهور أوسع. المسألة تتعلق أيضاً بتغيير السردية: فالاحتفاء بالإنجازات يعزز الإلهام، ويمنح الاعتراف المستحق، ويوسّع الفهم الثقافي سواء في هولندا أو المغرب أو أي مكان آخر.
- ما الذي يجعل الثقافة المغربية مساهمة مميّزة في المشهد الثقافي الهولندي؟
تتميّز الثقافة المغربية بتنوعها الغني، إذ تمزج بين المكوّن العربي والأمازيغي والإفريقي والمتوسطي، مع ارتباط وثيق بالأسرة والمجتمع والدين. من سماتها البارزة: تقاليد الحكي، والموسيقى والرقص، والفن والحِرف، والغنى في المطبخ، وروح الضيافة والتضامن المجتمعي. وفي المشهد الهولندي تضيف الثقافة المغربية أبعاداً جديدة للحوار الثقافي، وتُثري الفنون، وتمنح الشباب فرصاً لاكتساب التعاطف والفضول والوعي الثقافي.



