ترمب وإدارته في البيت الأبيض، يدرسان بشكل جدي اتخاذ إجراء عسكري ضد فنزويلا، فمن خلال اللغة الحذرة التي يتحدث بها المسؤولون في واشنطن، بالإضافة، لاستهداف الأسطول البحري وسلاح الجو الأمريكي لقوارب الصيد قبالة الساحل الفنزويلي، والتي يتم استهدافها على أساس أنها تعود لتجار تهريب المخدرات.
كلها مؤشرات على أن هناك عمل عسكري قادم في هذا البلد اللاتيني الغني بالنفط والمعادن الثمينة، فمن بين الخيارات المطروحة التي يتم الحديث عنها، هناك استهداف وحدات حماية نيكولاس مادورو، وفي نفس الوقت القيام بعمليات أخرى تستهدف شبكات تهريب المخدرات، والأهم من ذلك كله، خطط للسيطرة على حقول النفط في البلاد.
ترمب وإدارته، يروجون إلى أن الهدف من العملية العسكرية، هو تحييد نظام جعل من كاراكاس “عاصمة لتجارة تهريب المخدرات”، بينما في الواقع، الهدف من العملية، هو إسقاط حكومة مادورو ومعها “نظام الإيديولوجية الاشتراكية البوليفارية”، وهذا ما تبين مؤخرا عندما قامت إدارة البيت الأبيض، بمطالبة وزارة العدل بصياغة إطار قانوني مصمم خصيصا، كوسيلة لاستهداف مادورو دون المرور عبر الكونغرس الأمريكي، متجاوزا بذلك القانون الذي يمنع اغتيال رؤساء الدول الأجنبية.
لذلك، تحاول إدارة البيت الأبيض تجاوز هذا العائق الذي وضع بعد حربي الفيتنام والعراق، وتبرير أن الهدف من العملية العسكرية، هو استهداف المتورطين في تهريب المخدرات للولايات المتحدة الامريكية، وهو ما لا يعد عمل عدائي، بل هي عملية تقدم على أساس أنها عمل دفاعي، وبالتالي لا تتطلب تصويتا من الكونغرس.
فاستهداف رئيس دولة مثل مادورو وتبرير ذلك على أنه يدخل ضمن نطاق عمل دفاعي لمحاربة تهريب المخدرات وحماية الأمن القومي، يعني اتخاذ خطوة خطيرة شبيهة بعملية اسقاط نظام مانويل نورييغا ببنما، وهو الأمر الذي سيرسخ لفكرة أن رئيس الولايات المتحدة الامريكية، يستطيع أن يقرر، بناء على تقديره الخاص، من هو الزعيم السياسي ومن هو زعيم مجموعة إجرامية يجب القضاء عليه.
الهدف من العملية العسكرية كما سبق الإشارة إليه، هي ثروات هذا البلد الطبيعية، ففنزويلا تمتلك أكبر احتياطات نفطية في العالم، فوراء لغة الحرب على المخدرات، يبقى السؤال الحقيقي: من سيدير النفط الفنزويلي في حال سقوط مادورو؟، بالنسبة للبيت الأبيض، السيناريو الأمثل يبقى هو تغيير النظام وتنصيب حكومة موالية لواشنطن، بعد ذلك، سيتم بكل تأكيد تهميش الصين وروسيا ومعهما إيران، مع إعطاء الأولوية للشركات الأمريكية والأوروبية للاستثمار في الطاقة والمعادن.
من المنظور الجيوسياسي، تعتبر فنزويلا رمزا لأمريكا اللاتينية التي لا تزال بلاد العم سام تعتبرها “فناء خلفيا”، بينما من جهة أخرى، أصبح وجود موسكو وبكين وطهران في كاراكاس هيكلي من خلال الشراكات الاستراتيجية التي تم المصادقة عليها.
لن يكون الهجوم الأمريكي مجرد تصفية حسابات مع مادورو، بل رسالة إلى القوى الخارجية فحواها: القارة لا تزال منطقة نفوذ أمريكي، لكن الثمن قد يكون باهظا، فالصراع في فنزويلا من شأنه أن يسرع التشرذم الإقليمي، ويعزز الخطابات المعادية لأمريكا، ويدفع الحكومات الأخرى في القارة إلى تعميق وتوسيع الشركات الاقتصادية والمالية والطاقية، وكذلك العسكرية مع كل من روسيا والصين، كما أنه سيضاعف حتما تدفقات الهجرة، مما سيؤدي بكل تأكيد إلى اضطرابات وتوترات عبر الحدود مع كولومبيا ومنطقة بحر الكاريبي.
حتى في حال تم الإطاحة بمادورو، فلا شيء يضمن لواشنطن فترة ما بعد مادورو، فالبلد تمزقه الأزمات بسبب العقوبات الامريكية والأوروبية، ويعج بالشبكات الإجرامية، ويعيش في مجتمع مستقطب، لا يصبح بين عشية وضحاها جنة للمستثمرين؛ ففي حال فشلت العملية أو تعثرت، فستكون النتيجة عكس ذلك، حيث سيعزز مادورو مكانته وسيعتبر رمز لمقاومة الإمبريالية، وسترسخ كل من الصين وروسيا وجودها في المنطقة، بالإضافة، لتآكل ما تبقى من تأثير ونفوذ الولايات المتحدة الأمريكية أكثر فأكثر داخل القارة.
فترمب الذي تم انتخابه على أساس إنهاء الحروب والصراعات، عالق بين توجه يطالبه بتنفيذ العملية العسكرية وقاعدة انتخابية سئمت المغامرات الخارجية؛ فالدولة العميقة في بلاد العم سام، يصعب عليها أن تصبح أمريكا اللاتينية فضاء سياسيا مستقلا غير خاضع لها، فهي عند كل أزمة، تعتبر ذلك فرصة لبسط سيطرتها وإعادة تعريف مجال نفوذها، إنها العقيدة القديمة القائلة بوجوب الدفاع عن “الحديقة الخلفية” بأي ثمن، إلا أنه في عالم متعدد الأقطاب اليوم، لم تعد دول المنطقة تقبل بذلك.
الآراء الواردة في مقالات الرأي تعبر عن مواقف كاتبيها وليس على الخط التحريري لمؤسسة الصحيفة

