زنقة 20 | الرباط
أصدرت المحكمة الدستورية بتاريخ 4 غشت 2025 قراراً حاسماً شكّل محطة مفصلية في مسار الإصلاح القضائي، حيث وجّهت من خلاله رسالة واضحة إلى المشرّع: لا يمكن لأي إصلاح، مهما كان طموحاً، أن يتم على حساب المبادئ الدستورية والضمانات الأساسية للمحاكمة العادلة.
وقد تضمن القرار رفضاً لعدة أحكام واردة في مشروع القانون محل الطعن، أبرزها المساس بحجية الأحكام القضائية، ما يشكّل تهديداً خطيراً لمبدأ استقرار المراكز القانونية ، و الضبابية في إجراءات التبليغ، بما يخلّ بمبدأ اليقين القانوني؛ و تمكين السلطة التنفيذية من إدارة توزيع القضايا قضائياً عبر منصات رقمية، وهو ما يُعدّ مساساً مباشراً باستقلال السلطة القضائية؛ و حرمان الأطراف من حق الرد على ملاحظات النيابة العامة، بما يخلّ بحق الدفاع والمساواة الإجرائية.
و بحسب المحامية هدى صوبر، فإن قرار المحكمة الدستورية كرس ثلاثة مبادئ دستورية لا تقبل المساس:الأمن القانوني؛استقلال القضاء؛الحق في محاكمة عادلة ومنصفة.
هذا القرار وفق صبور ، يمثّل جرس إنذار للمشرّع، حيث لا يمكن تبرير التحديث أو الرقمنة أو تسريع العدالة بإجراءات تتجاوز الخطوط الحمراء الدستورية. فالإصلاح القضائي، وإن كان ضرورياً، لا بد أن يتم في إطار يضمن احترام الضمانات الأساسية التي تحصّن ثقة المواطن في العدالة.
من جهتها أكدت المحامية كوثر جلال، المقبولة لدى محكمة النقض، أن القرار الأخير الصادر عن المحكمة الدستورية بشأن قانون المسطرة المدنية يُعد محطة دستورية مهمة، تُجسد رقي التجربة القانونية المغربية، كما يُسلط الضوء مجددًا على أحد أبرز المطالب الدستورية المؤجلة منذ سنة 2011، والمتعلق بتفعيل آلية الدفع بعدم دستورية القوانين.
وقالت الأستاذة جلال:”رغم أهمية القرار من حيث الشكل والمضمون، إلا أن دلالاته الأعمق تتجاوز القانون المعني، لتطرح بإلحاح سؤال تفعيل الفصل 133 من الدستور، الذي نصّ صراحة على حق كل متقاضٍ في الاعتراض على دستورية أي قانون يُراد تطبيقه عليه، إذا اعتبر أنه يمس بحقوقه أو حرياته الأساسية.”
وأوضحت المتحدثة أن هذا الحق، الذي يشكل أحد أبرز ملامح العدالة الدستورية الحديثة، لا يزال معلقًا منذ المصادقة على دستور 2011، بسبب غياب القانون التنظيمي الذي يُحدد شروط وإجراءات تطبيقه، مشددة على أن “استمرار هذا الفراغ التشريعي يمس بمبدأ سمو الدستور، ويُضعف الثقة في فعالية المؤسسات الدستورية.”
وأضافت:”ليس من المقبول أن يظل هذا الحق معطلاً لأزيد من عقد من الزمن، في الوقت الذي يُفترض أن يكون المواطن شريكًا فاعلاً في الرقابة على دستورية القوانين، عبر آلية قضائية منظمة وواضحة.”
ودعت جلال المشرّع إلى تحمل مسؤوليته الدستورية والأخلاقية، والإسراع في إصدار القانون التنظيمي المتعلق بالدفع بعدم الدستورية، معتبرة أن “حماية الحقوق والحريات لا يمكن أن تُختزل فقط في الرقابة السابقة التي تمارسها المحكمة الدستورية، بل يجب أن تشمل الرقابة البعدية التي يُبادر بها الأفراد، بصفتهم حماة للحقوق وفاعلين في البناء الدستوري.”



