يعد القرار الأممي الأخير الذي تبنّاه مجلس الأمن بشأن قضية الصحراء المغربية ثمرة رؤية ملكية بعيدة المدى، تجسّد حكمة الملك محمد السادس في تدبيره لهذا الملف، ورؤيته الواضحة واستناده إلى حجج تاريخية وقانونية راسخة.
وبعد القرار التاريخي الذي صوت عليه مجلس الأمن، مساء اليوم الجمعة، يتأكد أن هذا الإنجاز الدبلوماسي لا ينفصل عن النهج العام للدبلوماسية الملكية التي تتميز بالشمولية، والوضوح، والاستراتيجية المتكاملة في تصورها وأهدافها.
ويتضح البعد الاستراتيجي للدبلوماسية المغربية في أنها تقوم على منظور ملكي طويل الأمد، يستند إلى تحليل دقيق للتحولات الإقليمية والدولية، ويضع قضية الصحراء في صميم الثوابت الوطنية، باعتبارها قضية وجود ووحدة.
كما أن الدبلوماسية المغربية شاملة وذلك لكونها تتجاوز البعد السياسي إلى أبعاد اقتصادية وثقافية ودينية وإنسانية، تعكس عمق الرؤية الملكية وتكامل مقاربتها.
وتنبني هذه الدبلوماسية، التي جنى المغرب اليوم ثمارها، على أهداف واضحة “تقوم على الدفاع عن السيادة الوطنية، ونصرة القضايا العادلة للمملكة، والانفتاح على الحوار والتعاون المتوازن مع مختلف الشركاء الدوليين”.
البعد الإفريقي والإقليمي في الرؤية الملكية
منذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش، انتهجت المملكة سياسة إفريقية متجددة قائمة على التضامن والواقعية والتعاون المتبادل، وهذا ما تلخصه “أكثر من خمسين زيارة ملكية إلى ما يزيد على ثلاثين دولة إفريقية، تُوّجت بتوقيع أكثر من ألف اتفاق ومذكرة تعاون، في مجالات متعددة”.
إضافة إلى هذا تكرست هذا النهج بعودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي سنة 2017 التي شكّلت محطة مفصلية في ترسيخ السياسة الإفريقية للملك، القائمة على الوضوح والطموح والمصداقية.
ولا شك أن هذه الرؤية الملكية جعلت من المغرب فاعلاً قارياً موثوقاً به، يحمل همّ التنمية المشتركة ويجسد روح التضامن الإفريقي الحقيقي.
تعزيز العلاقات العربية ودعم القضايا العادلة
على صعيد متصل، عزّز المغرب، تحت القيادة الحكيمة الملك، حضوره الفاعل داخل الفضاء العربي، وفاء لروابطه الأخوية والتزاماته التاريخية، وذلك من خلال الدعم الثابت للمبادرات العربية الهادفة إلى تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية في المنطقة، من خلال انخراط دبلوماسي نشط في إطار جامعة الدول العربية.
وفي السياق ذاته، يأتي الموقف المبدئي الراسخ للمغرب تجاه القضية الفلسطينية، إذ يضطلع الملك، بصفته رئيس لجنة القدس، بدور بارز في نصرة القدس الشريف، عبر مبادرات إنسانية ودبلوماسية ملموسة تخدم العدل والسلام.
ولعل ما ميّز الدبلوماسية المغربية في تعاملها مع دول الخليج والمشرق هو نهج التوازن والانفتاح، عبر شراكات متينة قائمة على الاحترام المتبادل والتضامن الفعلي.
تنويع الشراكات.. رؤية ملكية استشرافية
إلى جانب هذا، جعل الملك محمد السادس من تنويع الشركاء الدوليين محورا أساسيا في السياسة الخارجية للمملكة، تعزيزا لاستقلال القرار الوطني وترسيخا لمكانة المغرب كقوة وازنة في محيطه الإقليمي والدولي.
كما عمل المغرب على تعزيز العلاقات مع الحلفاء التقليديين كأمريكا وفرنسا وإسبانيا والمملكة المتحدة، الذين يدعمون اليوم بشكل واضح المبادرة المغربية للحكم الذاتي وسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.
وبهذا، سار المغرب يتموضع كجسر حضاري بين الشمال والجنوب، والشرق والغرب، وهو ما يدل على عبقرية الرؤية الملكية التي تجمع بين التوازن والانفتاح والمصداقية.
حضور المغرب بالأمم المتحدة.. دبلوماسيته متعددة الأطراف
ولا ينفصل عما سبق، ما أنجزه المغرب، بفضل الرؤية الملكية، من ترسيخ امكانته داخل المنظومة الأممية كدولة مؤثرة وموثوقة، تنادي بـتعددية فعّالة، منصفة ومتوازنة.
ويتجلى هذا من خلال مشاركة المملكة النشطة في أعمال مجلس الأمن والجمعية العامة ومختلف الأجهزة الأممية، دفاعاً عن الحوار والتوافق والشرعية الدولية، والإسهام في حفظ السلم والأمن الدوليين من خلال مشاركة حوالي 2000 من أفراد القبعات الزرق في بعثات الأمم المتحدة.
ودعم المغرب في السياق ذاته إصلاح مجلس الأمن بما يضمن تمثيلاً عادلاً للقارة الإفريقية وصوتاً أقوى للدول النامية.
كل هذه المجهودان جعلت اليوم أكثر من 125 دولة أي ما يعادل 64% من أعضاء الأمم المتحدة، تدعم الموقف المغربي وتعتبر مبادرة الحكم الذاتي الحل الوحيد الجاد والواقعي للنزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية.
تجسيد الرؤية الملكية بالأقاليم الجنوبية
ولم يكتف المغرب بالسياسة الخارجية، بل إن الأقاليم الجنوبية تحولت، بفضل التوجيهات الملكية إلى نموذج للتنمية المتكاملة في إطار النموذج التنموي الجديد الذي أطلقه الملك سنة 2015 بمدينة العيون.
ويتضح ذلك في المشاريع الكبرى والاستثمارات ضخمة والبنى التحتية الحديثة التي جعلت من الصحراء المغربية ورشاً مفتوحاً للتنمية والازدهار.
وأسهمت هذه المقاربة الملكية المتكاملة، السياسية والاقتصادية والإنسانية، في ترسيخ مغربية الصحراء بالفعل والتنمية، بعيداً عن منطق الصراع والمواجهة.



