استقبل وزير الشؤون الخارجية ناصر بوريطة، بالعاصمة الرباط، أمس الثلاثاء، الرئيس الجنوب إفريقي السابق جاكوب زوما، في زيارة لم يتم الإعلان عنها رسميا بشكل مُسبق، لكنها كانت محملة بدلالات سياسية ثقيلة، لا سيما أنها تأتي بعد أسابيع قليلة من إعلان زوما، بصفته زعيمًا لحزب “رمح الأمة”، عن دعم صريح لمقترح الحكم الذاتي الذي تقدمه المملكة المغربية كحل لنزاع الصحراء.
اللافت في خطاب زوما، خلال لقائه ببوريطة، أنه لم يستند إلى اعتبارات سياسية راهنة فقط، بل حرص على استعادة الجذور التاريخية التي جمعت الرباط ببريتوريا، مستحضرًا واحدة من المحطات المفصلية في ذاكرة حركات التحرر الإفريقية، حين خضع الزعيم نيلسون مانديلا لتدريب عسكري بمدينة وجدة المغربية سنة 1962، في إطار الدعم الذي وفره المغرب حينها لحركة ANC بالتنسيق مع جبهة التحرير الجزائرية.
وأشار زوما، بنبرةِ الاعتراف التاريخي، إلى أن مانديلا تلقى تدريباته الأولى على السلاح في التراب المغربي، بدعم لوجستي مباشر من الرباط في إبانه، وهو ما وثّقته أيضا مذكرات مانديلا نفسه، خاصة في سيرته الذاتية “Long Walk to Freedom” حيث تحدّث عن انتقاله من مالي إلى الجزائر فالمغرب، واستقراره أياما بمدينة وجدة قبل استئناف مساره الثوري.
ويؤكد أرشيف مؤسسة مانديلا أن الرئيس الجنوب إفريقي الراحل استفاد من دعم عسكري ومالي ولوجستي وفّره المغرب في تلك المرحلة الحساسة من نضال شعب جنوب إفريقيا ضد نظام الفصل العنصري “الأبارتايد”، وهي مساهمة نادرا ما يتم تسليط الضوء عليها في الأدبيات السياسية الجنوب إفريقية الرسمية، التي ظلت حتى وقت قريب منحازة لمواقف تقليدية داعمة لجبهة “البوليساريو” الانفصالية.
واستنادا إلى تطورات الأشهر الأخيرة، بدا أن استقبال بوريطة لزوما، في هذا التوقيت، يتجاوز الطابع البروتوكولي، ليعكس انفتاحا دبلوماسيا من الرباط على القوى السياسية الأخرى داخل جنوب إفريقيا من خارج المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم، خاصة تلك التي تبدي استعدادا لإعادة تقييم مواقفها من النزاع الإقليمي حول الصحراء، بعيدا عن إرث الحرب الباردة.



