بعد أشهر من التحذيرات المتتالية بشأن بلوغ طاقة مراكز إيواء القاصرين في سبتة المحتلة مستويات غير مسبوقة، يؤكد المسؤولون المحليون أن الوضع ما يزال خارج السيطرة، رغم بدء تنفيذ آلية التضامن التي أطلقتها الحكومة الإسبانية لنقل الأطفال غير المصحوبين من المناطق الأكثر ضغطاً نحو أقاليم أخرى داخل البلاد.
ففي شتنبر الماضي، وصلت المساعدة الخارجية التي طالبت بها السلطات المحلية منذ مدة، بعد مخاض سياسي صعب وجدالات ممتدة داخل الحكومة المركزية والجهات المستقبِلة، إذ قُدّمت هذه الخطوة حينها كحل حاسم لأزمة الاكتظاظ التي حولت المراكز الاجتماعية في سبتة المحتلة إلى فضاءات عاجزة عن الاستجابة لأدنى معايير الرعاية.
لكن بعد مرور أسابيع على دخول الإجراءات حيز التنفيذ، يبدو أن تأثيرها لا يزال محدوداً، إذ تُظهر الأرقام استمرار الضغط بشكل يتجاوز بكثير القدرة الاستيعابية المحددة قانوناً.
في هذا السياق، أوضح أليخاندرو راميريث، مستشار الإسكان والتنمية بحكومة المدينة المحتلة، عقب اجتماع المجلس أمس الثلاثاء، أن عمليات نقل القاصرين نحو شبه الجزيرة أصبحت فعلاً أكثر سرعة، مضيفاً أن “اثنين منهم يغادرون أسبوعياً”، وهو ما اعتبره “الأثر الإيجابي الوحيد للمرسوم الملكي الجديد”.
غير أن المسؤول يعتبر أن هذه الوتيرة لا تواكب حجم الوافدين، إذ سُجلت 129 عملية نقل فقط منذ بدء تنفيذ الإجراءات، مقابل 720 حالة دخول مرتقبة خلال سنة 2025.
الأرقام التي قدمها راميريث جاءت صادمة، إذ كشف أن مراكز المدينة المحتلة تحتضن حالياً 443 قاصراً، في حين أن قدرتها الاستيعابية الرسمية وفق المرسوم الملكي لا تتعدى 27 مقعداً فقط. وهو ما يعني نسبة اكتظاظ تفوق 1500 في المئة، وضع يهدد بانهيار كامل لمنظومة الرعاية المحلية.
ويصف مسؤولو المدينة هذا الوضع بأنه “انسداد كامل” في ظل استمرار التدفقات اليومية وعدم قدرة سبتة المحتلة على التعامل مع الملف بشكل أكبر، خصوصاً أن جزءاً كبيراً من تدبير هذا النوع من الحالات يبقى بيد الحكومة المركزية في مدريد.
المرسوم الملكي الصادر في نهاية غشت 2025، والذي أطلق آلية التضامن بين الأقاليم الإسبانية، واجه في بدايته رفضاً صريحاً من بعض رؤساء الحكومات الجهوية الذين هددوا بعدم استقبال القاصرين المنقولين من المدن الأكثر ضغطاً وفي مقدمتها سبتة المحتلة.
ويقضي المرسوم بتوزيع حوالي 3000 قاصر على مختلف الأقاليم الإسبانية، وفق قدرة كل جهة على الاستيعاب. وهكذا جاءت القائمة لتمنح الأندلس سقفاً بقدرة 2827 قاصراً، وكاتالونيا 2650، ومدريد 2325، في حين خُصص لسبتة المحتلة 27 فقط، ولمليلية 28 مكاناً.
ورغم التوصل إلى توافق سياسي جزئي مكّن من بدء عمليات النقل، إلا أن مقاومة بعض الحكومات الجهوية، إضافة إلى بطء الإجراءات الإدارية، ما تزال تُضعف أثر الخطة.
من بين الأسئلة التي تتردد داخل الشارع المحلي في سبتة المحتلة، احتمال إعادة القاصرين، ومن ضمنهم المغاربة، إلى بلدانهم الأصلية، غير أن كاتب الدولة الإسباني المكلف بالشباب والطفولة، روبين بيريث، أوضح في تصريح صحفي أن هذا الأمر ممكن فقط “تحت شروط صارمة”، لأن “عمليات الترحيل الفوري تتعارض جذرياً مع حقوق الطفل”.
وأكد المسؤول أنه لا يمكن إعادة أي قاصر إلا بعد تقييم شامل لوضعه، بما في ذلك التواصل مع عائلته في بلد الأصل والتأكد من غياب خطر العنف أو الاستغلال أو الإهمال. ولفت إلى أن بعض الأطفال “يهربون من الحرب أو من أوضاع خطيرة”، ما يجعل إعادتهم أمراً غير إنساني.
وأضاف بيريث أن المسطرة ما تزال غير قابلة للتنفيذ عملياً، لأن “التعاون مع السلطات المغربية ما يزال غائباً في ما يخص توفير الضمانات الاجتماعية والقانونية التي سيعود إليها هؤلاء القاصرون”، بحسب تعبيره.



