زنقة 20. روبورتاج خاص / مراكش
تواصل مدينة مراكش، “الحمراء” وساحرة الجنوب المغربي، ترسيخ مكانتها كأحد أبرز المقاصد السياحية في العالم، مستقطبة ملايين الزوار من مختلف القارات، بفضل مزيجها الفريد من التاريخ العريق، والعمارة الأندلسية-المغربية، وأجوائها الثقافية والفنية النابضة بالحياة. وفي الوقت الذي تستعد فيه المملكة لاحتضان نهائيات كأس إفريقيا للأمم 2025، تكثّف المدينة جهودها لتأهيل البنية التحتية الرياضية والسياحية، بما يوازي هذا الحدث القاري الكبير.
معالم سياحية تنبض بالتاريخ والحياة
تزخر مراكش بكنوز تاريخية ومعمارية تجعلها متحفاً مفتوحاً تحت السماء، من أبرزها:
ساحة جامع الفنا.. الأيقونة السياحية والقلب النابض للمدينة
ففي ساحة جامع الفنا تتعانق عروض الحكواتيين وفناني الشارع مع عبق المطاعم التقليدية وروائح التوابل، وتُعتبر رمزاً للسياحة والثقافة المغربية، حيث تجمع بين الترفيه التقليدي كعروض مروضي الأفاعي ورواة القصص، والفضاءات التجارية والتفاعلات الاجتماعية المتنوعة، وهي أيضاً مركزٌ ثقافي واجتماعي حيوي ونقطة التقاء للسكان والسياح على حد سواء.

ويعود بناء الساحة إلى عهد الدولة المرابطية، حيث كانت نواة تجارية قبل أن تتزايد أهميتها مع بناء مسجد الكتبية التاريخي بجوارها. 
وتُعد الساحة القلب النابض لمدينة مراكش، حيث تحتضن الفنون الشعبية وتُعد مهداً لفن “الحلقة” الذي يضم قصصاً وحركات بهلوانية، وقد اعتمدتها اليونسكو كتراث لا مادي إنساني.
ويجد الزوار عروضاً ممتعة لمروضي الأفاعي، ورواة القصص الذين يقدمون حكايات من التراث الشفهي المحلي والعربي، وتضم الساحة محلات تجارية متنوعة، كما تشكل نقطة التقاء للسكان والسياح للاستمتاع بالجو الفريد وتنوع المكان.
وتعد الساحة نقطة جذب رئيسية للسياح من جميع أنحاء العالم، الذين يأتون للاستمتاع بجمالها وتجربة ثقافتها الفريدة.
المدينة العتيقة.. عبق التاريخ
بأسوارها العريقة وأزقتها الضيقة، تحتضن أسواقاً (سوق السمارين، سوق الفنا) تعرض الصناعات التقليدية من الزرابي والجلد والنحاس وهي مصنفة ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي منذ عام 1985.
وتشتهر بأسوارها والبوابات التاريخية، وتضم ساحة جامع الفنا التي تعد مركز الحياة والأنشطة الترفيهية والأسواق التقليدية.
وتشمل المعالم الرئيسية بها مسجد الكتبية الشامخ، والعديد من البازارات، والمتاحف، والرياض (بيوت تقليدية بمناظر خارجية)، ومقاهي حديثة وتقليدية، مما يجعلها وجهة سياحية بارزة تستقطب الزوار بفضل تاريخها العريق وأصالتها.
قصر الباهية.. تحفة معمارية
هو تحفة من القرن التاسع عشر، تتجلى فيها روعة النقوش والزليج المغربي، وهو معلم تاريخي وثقافي بارز بُني في أواخر القرن التاسع عشر على يد الوزير أحمد بن موسى، ويتميز بتصميمه المعماري الإسلامي والمغربي الرائع الذي يضم حدائق مورقة وساحات فناء وقاعات فخمة مزينة بالجبس المنحوت والقرميد الملون.
و يُعد القصر تحفة فنية تعكس روعة البناء المغربي، ويضم حالياً أجنحة ومقرات مخصصة لاستقبال الضيوف وتنظيم الفعاليات الثقافية، مما يجعله من أهم مواقع الجذب السياحي في المدينة.
وبُني القصر على مرحلتين في أواخر القرن التاسع عشر، في عهد السلطان مولاي الحسن، على يد الوزير أحمد بن موسى بهدف إبراز فخامته ورفاهيته
قصر البديع: بقاياه تروي مجد السعديين وفنهم المعماري
قصر البديع هو قصر تاريخي شهير في مراكش بالمغرب، بناه السلطان السعدي أحمد المنصور الذهبي عام 1578م احتفاءً بانتصاره في معركة وادي المخازن.
وتميز القصر في عصره بفخامته وزخارفه الغنية، وكان مخصصاً للاستقبالات الرسمية والحفلات، لكنه أُهمل بعد سقوط السلالة السعدية وجُردت مواده الثمينة، ليتحول اليوم إلى معلم سياحي رئيسي ومساحة للعروض الثقافية.
وتم بناؤه كاحتفال وانتصار للسلطان على البرتغاليين في معركة وادي المخازن (أو معركة الملوك الثلاثة) عام 1578م.
حدائق ماجوريل.. واحة استوائية صممها الرسام الفرنسي جاك ماجوريل
امتلكها لاحقاً مصمم الأزياء إيف سان لوران وهي محمية نباتية شهيرة تقع في مراكش، أسسها الرسام الفرنسي جاك ماجوريل في عام 1931، وتتميز بتنوع النباتات والجمال الفني الفريد. تعرف الحديقة بلونها الأزرق الزاهي (الأزرق الماجوريل)، وتضم متحفاً للثقافة الأمازيغية.
وكانت مملوكة لـ بيير بيرجي وإيف سان لوران الذين أنقذاها من الإهمال في الثمانينيات، وأنشأها الرسام الفرنسي جاك ماجوريلفي عام 1931، حول ورشة عمل مصممة بأسلوب الآرت ديكو.
جامع الكتبية: أحد أروع منارات العمارة الموحدية
بارتفاع يقارب 77 متراً، يهيمن على أفق المدينة هو معلم تاريخي ومعماري بارز في مدينة مراكش المغربية، ويُعرف بصومعته الشاهقة التي تُلقب بـ “سبّابة مراكش”، وقد سُمي بهذا الاسم نسبةً إلى سوق الكتبيين لبيع الكتب الذي كان بالقرب منه .

وبُني المسجد في عهد الدولة الموحدية كمركز للعبادة وحوار الفكر، ويتميز بفن العمارة الإسلامي الرائع والزخارف المتقنة، ويقع في قلب مدينة مراكش، بالقرب من ساحة جامع الفنا الشهيرة.
ويعكس طابع العمارة الإسلامية العظيمة وتطورها في العصر الموحدي، ويضم صومعة مزخرفة بأنماط هندسية دقيقة وزخارف نباتية وكتابية، وبيت الصلاة واسع ويمتد بين الصحن والقبلة.
حدائق المنارة: بركتها العريقة وأشجار الزيتون الممتدة تمنح زوارها لحظات هدوء بديعة
هي حديقة تاريخية تعود إلى عام 1157، أسسها السلطان الموحديعبد المؤمن بن علي لإنشاء حوض مائي ضخم لري الأراضي الزراعية وتدريب الجنود. تتميز الحديقة بوجود بحيرة مستطيلة ضخمة، ومرافق حديثة تم إضافتها على مر العصور، مما يجعلها وجهة سياحية هامة للاسترخاء والاستمتاع بالطبيعة والمعالم التاريخيك.
وتأسست الحديقة عام 1157 على يد السلطان عبد المؤمن بن علي، مؤسس الدولة الموحدية، لتخزين المياه لري البساتين والتدريب العسكري.
وتُعد البحيرة المستطيلة الضخمة أبرز معالم الحديقة، وتتلقى مياهها من جبال الأطلس، مما سمح بتطوير نظام ري فعال منذ القرن الثاني عشر،
متحف مراكش ومدرسة ابن يوسف: معالم تحافظ على فنون الخط والزليج والزخرفة الإسلامية.
سياحة متنوعة ومتجددة
تجمع المدينة بين سحر التاريخ ومتعة الترفيه العصري، حيث تنتشر فنادق ومنتجعات راقية، ورياضات تقليدية، وملاعب الغولف العالمية، فضلاً عن القرى المحيطة كأوريكا وتحناوت التي تقدم للزوار تجارب سياحة جبلية وأطباقاً محلية أصيلة.
كما تعد مراكش قاعدة مثالية لاكتشاف جبال الأطلس والمنتجعات الصحراوية القريبة.
استعدادات حثيثة لكأس إفريقيا 2025
وتستعد مراكش لأن تكون إحدى المدن الرئيسية المستضيفة لمباريات كأس إفريقيا للأمم 2025، حيث تشهد مرافقها الرياضية والأمنية والخدماتية أعمال تطوير شاملة، حيث يخضع الملعب الكبير لمراكش لعملية إعادة تهيئة شاملة لتوسيع طاقته الاستيعابية وتحسين أرضيته وتجهيزاته التقنية بما يطابق معايير الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (الكاف).
ويركز مشروع تأهيل ملعب مراكش على تحديث المرافق وتطويرها لاستيعاب كأس العالم 2030، ويتضمن تطوير التغطية، وإزالة الحلبة المطاطية، خفض أرضية الملعب لتحسين الرؤية، وزيادة طاقته الاستيعابية إلى 46 ألف مقعد، مع ربط الملعب بشبكة المواصلات الحديثة كخط القطار السريع.
ويهدف المشروع إلى تحسين الرؤية للمشجعين من خلال خفض مستوى أرضية الملعب وتطوير تغطية المدرجات ومن المخطط زيادة طاقة الملعب الاستيعابية من 41 ألفًا و245 مقعدًا إلى 46 ألف مقعد، ويستوحي تصميم الملعب من جدران وأبراج ومآذن مدينة مراكش العريقة.
شبكة نقل متطورة بالمدينة الحمراء
وتجري الاستعدادات لتعزيز خطوط الحافلات الكهربائية، وتوسيع شبكة النقل الحضري لتسهيل تنقل الجماهير، مع تحسينات في الطريق السريع الذي يربط المدينة بمطار مراكش المنارة وببقية المدن، بالإضافة إلى مطار مراكش المنارة الدولي الذي يشهد تحديثات في قاعات الاستقبال والخدمات الأمنية واللوجستية لاستيعاب تدفق جماهيري أكبر..
حركية اقتصادية وثقافية
من المنتظر أن يشكّل تنظيم البطولة القارية دفعة قوية للاقتصاد المحلي، سواء عبر تنشيط قطاع السياحة أو من خلال فرص الشغل المباشرة وغير المباشرة في البناء، النقل، والخدمات.
كما تعوّل السلطات على الحدث للترويج أكثر للثقافة المغربية المتنوعة، عبر تنظيم أنشطة فنية وموسيقية موازية تستعرض التراث الغنائي والطبخ المراكشي الأصيل.
مدينة تزاوج بين الأصالة والحداثة
بهذا الزخم من المعالم التاريخية والاستعدادات اللوجستية والرياضية، تبرهن مراكش مجدداً على قدرتها على الجمع بين سحر الماضي وضرورات المستقبل.
فالمدينة التي حافظت على طابعها الأصيل تتهيأ اليوم لتكون واجهة إفريقيا أمام العالم خلال كأس إفريقيا 2025، ولتعزز موقعها كأيقونة سياحية وثقافية عالمية.

































