شهدت نبرة الخطاب الرسمي لجبهة البوليساريو خلال الأيام الأخيرة، تحولا لافتا، إذ بدا أن الجبهة الانفصالية بدأت تُراجع خطابها التقليدي القائم على التصعيد والمواجهة، لصالح لغة دبلوماسية أكثر هدوءا تُركّز فيها على الحوار وإمكانيات التسوية السلمية لملف الصحراء.
وبرز هذا التحول أكثر في التصريح الذي أدلى به محمد يسلم بيسط، الذي تسميه الجبهة بـ”وزير الخارجية الصحراوي”، خلال ندوة صحفية عقدها أمس الأربعاء بالعاصمة الجزائرية، حيث تحدث عن “السلم مع المغرب” وضرورة “إيجاد حل للنزاع الذي عمر 50 سنة” بطريقة تفتح المجال أمام مرحلة جديدة.
وقال بيسط في تصريح يحمل نبرة مغايرة للخطاب الانفصالي المعتاد “هذا السلم ستترتب عنه فاتورة كبيرة… نحن كصحراويين مستعدين أن ندفع الجزء الذي يعود لنا من هذه الفاتورة، مهما مثّل ذلك من تنازلات سياسية أو نفسية أو اقتصادية”.
وأضاف المسؤول في الجبهة الانفصالية قائلا “نحن كصحراويين واعون كل الوعي بأن علينا أن نساهم مع أشقائنا المغاربة، وفي إطار منطقتنا وقارتنا، في دفع الأمور في اتجاه إيجابي وألا نبقى متمترسين إلى خمسين سنة أخرى”، في إشارة واضحة على استعداد الجبهة الانفصالية على التحاور وإنهاء هذا النزاع في أقرب وقت.
ويأتي هذا التصريح بعد أيام قليلة من الرسالة التي بعث بها زعيم الجبهة، إبراهيم غالي، إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، والتي أشار فيها إلى أن “البوليساريو مستعدة لتقاسم فاتورة السلام مع المغرب”، في ما اعتُبر آنذاك تلميحا إلى استعداد الجبهة لتقديم تنازلات سياسية.
ووفق قراءة العديد من المهتمين بملف الصحراء المغربية، فإن الظروف والتحولات التي طرأت على ملف الصحراء والتي تتجه في مجملها إلى صالح المملكة المغربية، فرضت على البوليساريو اعتماد مقاربة جديدة في التعاطي مع الملف.
ويبدو أن البوليساريو اقتنعت باستحالة مطالبها في ظل الدعم الذي يحظى به المقترح المغربي لحل نزاع الصحراء، باعتباره حلا واقعيا وذا مصداقية، حيث أعلنت دول كبرى من بينها الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا وألمانيا دعمها له، فيما جددت بلجيكا اليوم الخميس دعمها للمبادرة المغربية خلال لقاء جمع وزير الخارجية ناصر بوريطة، بنائب الوزير الأول ووزير الخارجية والشؤون الأوروبية والتعاون الإنمائي البلجيكي ماكسيم بريفو.
كما تأتي هذه المقاربة الجديدة في ظل تحركات أمريكية متسارعة لإنهاء النزاع، حيث كشف مستشار الرئيس الأمريكي، ستيف ويتكوف، في مقابلة مع قناة أمريكية، أن فريقه يعمل على تحقيق السلام بين المغرب والجزائر، الداعمة الرئيسية لجبهة البوليساريو، في غضون ستين يوما.
ويرى متابعون أن تصريحات بيسط تُعدّ بمثابة تهيئة للرأي العام الموالي للبوليساريو لتقبّل المرحلة المقبلة، التي قد تتضمن تراجعا نهائيا عن مطلب “الاستقلال” لصالح التفاوض على صيغة الحكم الذاتي الموسّع الذي يطرحه المغرب، خاصة أنه قال في كلمته بأن الجبهة لن تعارض إذا اختار الصحراويون الاندماج في المملكة المغربية.
وتؤشر هذه التطورات على تحوّل نوعي في خطاب البوليساريو بعد نصف قرن من الجمود، خاصة في ظل تزايد الضغوط الإقليمية والدولية المطالبة بحل سياسي واقعي ودائم، إذ يبدو أنها أدركت محدودية الرهان على الحل العسكري، في مقابل توسع التأييد الدولي للمقترح المغربي الذي يحظى بدعم قوي من واشنطن وباريس ومدريد وبرلين وبروكسيل.



