دخلت نقابات ممثلة بمجلس المستشارين على خط نقاش مشروع قانون المالية لسنة 2026، مُعتبرة أنه مبني على فرضيات “متفائلة”، ومنتقدة اتكاله على الضرائب غير المباشرة التي يؤديها المواطنون بالتساوي دون اعتبار لمستوى الدخل، علاوة على غياب الانسجام بين الميزانيات الضخمة وتأثيرها على الواقع الملموس للمواطنين.
وفي مداخلة المستشار لحسن نازهي، منسق مجموعة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، اعتبرت الأخيرة أن الفرضيات التي بُني عليها المشروع “متفائلة أكثر من الواقع”، حيث تراهن الحكومة على نسبة نمو تبلغ 4.6 في المئة سنة 2026، في وقت يعاني فيه الاقتصاد الوطني من تقلبات مناخية، ومن تراجع الطلب الخارجي، خاصة من شركاء المغرب الأوروبيين.
كما تناولت المداخلة رصد استثمار عمومي يفوق 380 مليار درهم. ورغم أهمية هذا الرقم، اعتبر المستشار نازهي أن السؤال الأساسي الذي يطرح هو: أين النجاعة؟ وأين الأثر الاجتماعي لهذه الاستثمارات؟؛ “لقد عشنا في السنوات الماضية على وقع أرقام ضخمة، لكن المواطن لم يلمس تحسناً في مستواه المعيشي، ولا في جودة الخدمات الأساسية”، معتبراً بذلك أن المشكلة “ليست في حجم الميزانيات، بل في قدرة الجهاز التدبيري على تحويلها إلى نتائج وواقع ملموس”.
أما في الجانب الجبائي، فنبه المتحدث إلى أن المشروع يعتمد على موارد ضريبية تتجاوز 376 مليار درهم، منها حوالي 40 في المئة ضرائب غير مباشرة يؤديها المواطنون بالتساوي دون اعتبار لمستوى الدخل، وهو ما يعكس اختلالاً بنيوياً يمس مبدأ العدالة الجبائية، منوها إلى أنه “كان المنتظر أن تتجه الحكومة نحو ضريبة تصاعدية عادلة تُخفف العبء عن الفئات المتوسطة والهشة، لكننا نرى استمراراً في الاعتماد على الضرائب على الاستهلاك، بينما تستفيد الشركات الكبرى والاحتكارية من تحفيزات وامتيازات غير متوازنة، في ظل نزيف كبير ناتج عن التهرب والتحايل الضريبي”.
وعلى مستوى النفقات، فـ”رغم تخصيص اعتمادات مهمة لقطاعي التعليم والصحة، تناهز في مجموعها 140 مليار درهم، فإن الواقع يبين أن الزيادات الرقمية لا تعني بالضرورة تحسناً فعلياً. فالتعليم ما زال يعاني من الاكتظاظ، ومن خصاص كبير في الأساتذة الباحثين، ومن هشاشة ناتجة عن نظام التعاقد، ومن غياب رؤية إصلاحية ترتبط أساساً بالحكامة وجودة التدبير، والمدرسة العمومية اليوم تحتاج إلى إصلاح أعمق، يشمل تحسين الأجور، وإدماج الأساتذة أطر الأكاديميات في نظام أساسي موحد ومنصف، وإدماج مربيات التعليم الأولي…”.
وفي قطاع الصحة، قال المستشار إنه “رغم الحديث عن تأهيل البنيات وتجديد 90 مستشفى، فإن السؤال الجوهري يتعلق بالعنصر البشري”، مضيفا أن “بلادنا تعاني خصاصاً يقارب 32 ألف طبيب و65 ألف ممرض”.
وخلص المستشار إلى إن مشروع قانون المالية لسنة 2026، “رغم ما يتضمنه من عناوين وتوجهات، يواصل في جوهره نفس السياسات غير الاجتماعية التي أثبتت محدوديتها خلال السنوات الماضية: استمرار الاعتماد على الضرائب غير المباشرة، تضخيم الاستثمارات الكبرى دون أثر ملموس على حياة الناس، ضعف التشغيل المنتج، وغياب رؤية متكاملة للعدالة الاجتماعية والعدالة الترابية”.
من جهته، ثمن المستشار البرلماني خالد السطي عن الاتحاد الوطني للشغل، التدابير الجمركية المتضمنة في المشروع، “من خلال مقترحات مهمة تدعم الصناعات الوطنية وتعزيز التماسك عن طريق تمديد المساهمة التضامنية برسم سنوات 2026 و2027و 2028، وإدماج القطاع غير المهيكل ضمن النسيج الاقتصادي”.
غير أن الإشكال الحقيقي، وفقا للمتحدث، يتعلق باستمرار مظاهر الفساد والريع بكل أشكاله، على حد تعبيره، و”سنظل نؤمن بأن الفساد يكلف بلادنا ملايير الدراهم سنويا حسب تقارير رسمية، خصوصا أن بلادنا قد تراجعت في ترتيب المؤشر العالمي لإدراك الفساد”.
وسجل كذلك بإيجابية إحداث صندوق خاص بالتنمية الترابية بغلاف مالي قدره 20 مليار درهم في أفق 2027، مشيراً إلى أن المبلغ غير كاف، خصوصا وأن من مهامه تجاوز أزمات قطاعات مهمة كالتعليم والصحة والتشغيل بالإضافة إلى إصلاح البنيات التحتية وتدارك الفوارق الاجتماعية والمجالية.
ودعا الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب إلى تسريع إصلاح صناديق التقاعد بالقطاعين العام والخاص وفق مقاربة تشاركية حقيقية، والتسريع بإصلاح صندوق المقاصة بما يضمن تحقيق الأهداف التي أنشئ من أجلها، مع اتخاذ تدابير لفائدة “الطبقة المتوسطة”، خصوصا في ظل ارتفاع معدلات التضخم.
ودعت النقابات لمراجعة المنظومة القانونية المؤطرة للشغل، بما في ذلك مدونة الشغل؛ وتحسين دخل الشغيلة سواء بالقطاعين العام والخاص واعتماد السلم المتحرك للأجور؛ ومتابعة تفعيل ما تبقى من مقتضيات اتفاقي 26 أبريل 2011 و25 أبريل 2019، لاسيما التعويض عن المناطق النائية والصعبة والدرجة الجديدة والزيادة في الأجور بالمؤسسات العمومية ذات الطابع التجاري والصناعي والخدماتي، مع إقرار تعميم حق الترقي بالشهادات الجامعية.
كما طالبت بالتعجيل بإخراج مدونة التعاضد والتغطية الصحية للأبوين؛ وخلق شراكة حقيقية بين السلطة الحكومية والتعاضديات تروم إلى تعزيز العمل والتعاضد وتشجيعه وبعد ذلك تفعيل المراقبة عليها، وأخيراً تدارك اختلالات برنامج “أمو تضامن”، حيث لازال حوالي 8.5 مليون مغربي خارج التغطية الصحية.



