وجه رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، توجيهات إلى أعضاء حكومته وكبار مسؤولي الدولة، يلح فيها على ضرورة التسريع بتنزيل القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة، مدعّما هذا التوجه بتأكيد على وضع جميع الوسائل اللازمة رهن إشارة المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، قصد تمكينها من أداء دورها المحوري في تنفيذ هذا الورش التشريعي والاجتماعي لإصلاح السياسة العقابية وتحقيق العدالة التصالحية.
وشدّد رئيس الحكومة، على تفعيل القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة، من خلال توجيهه لمنشور عممه على كافة الوزراء والوزراء المنتدبين وكتاب الدولة والمندوبين الساميين والمندوب العام، يدعوهم فيه إلى التعبئة الجماعية واليقظة المؤسساتية من أجل إنجاح هذا الورش الإصلاحي الكبير الذي طال انتظاره.
ويأتي هذا المنشور في سياق دخول القانون رقم 43.22 حيز التنفيذ الرسمي يوم 22 غشت 2025، بعد صدوره في الجريدة الرسمية عدد 7328 بتاريخ 22 غشت 2024، وتنفيذه بموجب الظهير الشريف رقم 1.24.32 المؤرخ في 24 يوليوز 2024، وهو قانون ينتمي إلى جيل جديد من التشريعات التي تراهن عليها المملكة لإحداث تحول جذري في سياستها الجنائية، تقطع مع منطق الزجر العقابي الذي كان طاغيًا، وتفتح المجال أمام مقاربات أكثر عدلا ونجاعة ونجاحا في إعادة الإدماج.
وأكد أخنوش، في منشوره على ضرورة الإسراع في استكمال جميع الإجراءات المرتبطة بتفعيل القانون، وعلى رأسها توفير الوسائل البشرية واللوجستية والتقنية اللازمة للمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، بما يمكنها من القيام بمهامها الجديدة المرتبطة بتتبع تنفيذ العقوبات البديلة والتنسيق مع مختلف الفاعلين العموميين.
وفي ذات الإطار، دعا رئيس الحكومة كل القطاعات الحكومية والمؤسسات الخاضعة لوصايتها إلى تحسيس مصالحها المركزية واللاممركزة بأهمية هذا القانون، وحثها على الانخراط الفعلي والإيجابي في التنزيل، وعدم التعامل معه بمنطق “الإجراء الإداري”، بل باعتباره جزءا من رؤية استراتيجية للدولة في إصلاح العدالة وتخفيف الضغط على المؤسسات السجنية، وتعزيز كرامة الإنسان في العقوبة.
من خطاب الوعود إلى منطق التنفيذ
لعل ما يميز هذا التوجيه الحكومي هو انتقاله من منطق التصور والبرمجة إلى منطق التنفيذ الميداني، فالمطلوب، وفق المنشور الذي اطلعت عليه “الصحيفة”، التفاعل الإيجابي مع جميع مقترحات ومبادرات المندوبية العامة، والتجاوب مع حاجياتها من موارد وميزانيات وأطر، والمشاركة الفعلية في اللقاءات التنسيقية المقبلة التي ستمثل لحظة مفصلية في تحديد الأدوار والآليات التنفيذية لكل قطاع على حدة.
وقد ألحّ رئيس الحكومة على ضرورة تعيين مخاطب رسمي أو أكثر داخل كل قطاع وزاري، يتولى التنسيق مع المندوبية العامة، والإسهام في إعداد اتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف، يكون من نتائجها بلورة برامج عمل سنوية على المستوى الجهوي والمحلي، تحدد المسؤوليات والإجراءات بدقة.
ولضمان تأطير عملي لتفعيل هذه البرامج، دعا المنشور إلى إعداد دفاتر تحملات دقيقة، تُبيّن مجالات تدخل كل قطاع، والأنشطة الممكن تنفيذها في إطار العقوبات البديلة، وشروط العمل، ونوع البنيات والمؤسسات التي ستحتضن تنفيذ هذه العقوبات، إلى جانب آليات التتبع والتقييم، ومن ضمنها إنشاء قواعد بيانات رقمية وبرمجيات وطنية موحدة لتتبع تنفيذ العقوبات البديلة.
وطالب أخنوش الوزراء بتقديم تصور مفصل حول كيفية تنزيل عقوبة “العمل لأجل المنفعة العامة”، مقترحا أن يتم تحديد أنواع الأشغال المناسبة (مثل نظافة المرافق العمومية، أعمال الصيانة، التشجير، الخدمات الاجتماعية في المستشفيات أو دور العجزة…)، وكذا الأماكن المقترحة لتنفيذ هذه العقوبة، بما يحفظ كرامة المحكوم عليه ويضمن مساهمته في نفع المجتمع.
تحول عميق في فلسفة العقاب
تُعد العقوبات البديلة، كما ينص على ذلك القانون 43.22، جزءا من إصلاح جذري للسياسة الجنائية بالمغرب، إذ تهدف إلى الحد من اللجوء التلقائي للعقوبات السالبة للحرية، وخاصة في الجنح التي لا تتجاوز مدتها خمس سنوات، واستبدالها بصيغ أخرى أكثر مرونة وإنسانية. ويتعلق الأمر تحديدا بالعمل لأجل المنفعة العامة، المراقبة الإلكترونية، تقييد بعض الحقوق أو فرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية، الغرامة اليومية، كما لا يمكن تطبيق هذه العقوبات في حالة العود، كما أن تنفيذها سيكون خاضعا لرقابة صارمة ودفاتر تحملات مؤطرة قانونيا.
ووفقا لمعطيات رسمية، يبلغ عدد نزلاء السجون في المغرب أكثر من 100 ألف معتقل، في حين تبلغ الطاقة الاستيعابية للمؤسسات السجنية أقل من 65 ألفا، وهو ما يضع النظام السجني أمام تحديات كبرى تتعلق بالاكتظاظ، وصعوبة التأهيل، وارتفاع التكاليف، وقد أظهرت تقارير سابقة للمندوبية العامة أن كلفة السجين الواحد تصل إلى نحو 25 ألف درهم سنويًا، ما يجعل العقوبات البديلة حلًا أكثر اقتصادية وإنسانية.
استثمار في العدالة والتماسك المجتمعي لكن بتحديات
في منشوره، شدد أخنوش على أن ورش العقوبات البديلة ليس مجرد إجراء تقني أو إداري، بل هو رهان استراتيجي على عدالة جديدة تعيد الثقة بين المواطن والمؤسسات، وتمنح المحكوم عليهم فرصة ثانية للاندماج الإيجابي في المجتمع. فالعقوبة، في فلسفتها الجديدة، ليست انتقاما من المخطئ، بل تأديبا وتهذيبا يُراعي البعد الإنساني ويحافظ على الروابط الاجتماعية والعائلية.
كما أشار رئيس الحكومة إلى البعد الوقائي لهذا القانون، كونه يقلل من العنف المؤسساتي والتأثير السلبي للسجن على الأفراد والأسر، ويساهم في تخفيض معدلات العود، واعتبر أن إشراك الوزارات والمؤسسات العمومية في تنفيذ العقوبات البديلة من شأنه تحويل مفهوم العقوبة إلى فرصة للتكوين والتأهيل والمصالحة مع الذات والمجتمع.
بالمقابل، فرغم أهمية القانون 43.22، فإن تفعيله على الأرض يواجه تحديات حقيقية، تتعلق أساسا بضعف الإمكانيات البشرية واللوجستيكية داخل بعض القطاعات، وغياب التنسيق المؤسساتي السابق بين الجهات المعنية، محدودية التجربة المغربية في مجال الوساطة الجنائية والعقوبات البديلة، وصعوبة ملاءمة الأنشطة العقابية الجديدة مع خصوصيات بعض المجالات (كالمجال القروي أو القطاعات السيادية).



